رفض المريض لطريقة المعالجة الطبية في المستشفى Refusal of care أو إصرار المريض على مغادرة المستشفى رغم نصيحة الأطباء بخلاف ذلك leave against medical advice، على الرغم من أنهما قضيتان منفصلتان فإن إحداهما قد تؤدي إلى الأخرى. وهما أيضا من القضايا الطبية الشائكة التي تحتاج إلى تأن في من قبل المرضى، وتحتاج إلى تعامل راق من الأطباء في الجوانب الطبية والأخلاقية للتأكد من رغبة المريض ودواعيها، وتحتاج كذلك من المستشفيات القيام بدراسة أسباب كل حالة منها بتفصيل وتدقيق لمعرفة الأسباب والدواعي التي تدفع المريض إلى اتخاذ قرارات رفض لما ينصح الأطباء المعالجون به في جانبي البقاء بالمستشفى وطريقة المعالجة.
وحق المريض في البقاء بالمستشفى لتلقي المعالجة، هو حق محكوم بداعي إدخاله إلى المستشفى في الأصل. وفي قرار الأطباء إما دخول المريض إلى المستشفى للمعالجة أو عدم دخوله المستشفى وإتمام إجراءات معالجته وهو خارج المستشفى، فإن الأصل هو أن الدخول إلى المستشفى يأتي لتلقي المعالجة التي لا يُمكن أن تتوفر ظروف ومتطلبات تقديمها في المنزل.
وثمة حق للمريض في رفض تلقي المعالجة الطبية التي ينصح بها الطبيب أو الفريق الطبي المعالج للمريض. والرفض هذا لا يعني تلقائيا أن على المريض مغادرة المستشفى والبحث عن مكان آخر لتلقي المعالجة أو الذهاب إلى المنزل وانتظار قضاء المقدور. ذلك أن المريض الذي يرفض طريقة علاج مشكلته الصحية، له الحق في البقاء في المستشفى لتلقى الرعاية الطبية إما بطريقة أخرى يقترحها الأطباء نتيجة لإعادة التفكير في المعالجة أو نتيجة لتلقي مشورة أطباء آخرين في مستشفى آخر. وإذا لم تتوفر طريقة أخرى للمعالجة غير التي اقترحها الطبيب والتي يرفضها المريض، فإن على الطبيب أن يوثق هذا الرفض في الملف الطبي للمريض وعليه أن يُكمل عنايته بمريضه على مسؤولية المريض.
المهم فيما تقدم أن رفض المريض للمعالجة الطبية المقترحة لا يعني تلقائيا إخراج المريض من المستشفى بشكل مباشر أو غير مباشر. هذه واحدة. والثانية، أن على المريض الذي يريد مغادرة المستشفى على الرغم من نصيحة الأطباء البقاء فيها لاستكمال معالجته، وعليه أن يُدرك أن هذا السلوك ضار بصحته وعليه أن يتحمل مسؤولية تصرفه هذا.
ولكن، ما الذي يدفع المريض لمغادرة المستشفى بهذه الصفة؟
هناك أسباب عدة، منها ما له علاقة له بالمستشفى نفسها وطريقة المعالجة وتقييم المريض لكفاءة الطاقم الطبي وخدمات المستشفى، ومنها ما لا علاقة له البتة بهذه الجوانب. والمريض عليه أن يتنبه لعواقب المغادرة ضد رغبة الأطباء أيا كان السبب لديه.
ودعونا نراجع نتائج هذه الدراسة التي تقول لنا إن المرضى الذين يقررون مغادرة المستشفى بخلاف نصيحة الأطباء لهم بالبقاء فيها لاستكمال المعالجة، عليهم أن يتنبهوا إلى أن ذلك قد يكون له عواقب صحية سلبية لا تطال ارتفاع احتمالات عودة اضطرارهم إلى الدخول إلى المستشفى فحسب، بل وربما ارتفاع معدلات الوفيات بينهم خلال الشهر التالي لمغادرة المستشفى. ولاحظ الباحثون من مركز نيويورك الطبي أن ثمة نصف مليون مريض يُغادرون المستشفى بتلك الصفة بالولايات المتحدة كل عام ويوقعون وثيقة الإقرار برغبتهم هذه sign against medical advice.
وكانت دراسات سابقة قد أشارت إلى أن قرارات المرضى من هذه النوعية غالبا غير حكيمة، وعلى سبيل المثال فإن مرضى الربو أو نوبة الجلطة القلبية الذين يُغادرون المستشفى بهذا الشكل، هم أكثر عُرضة لارتفاع معدلات عودة الدخول إليها. وما أضافته هذه الدراسة الجديدة المنشورة ضمن عدد 17 أبريل (نيسان) الماضي من المجلة الطبية الأميركية American Journal of Medicine هو أن ثمة بين هؤلاء المرضى ارتفاعا في احتمالات خطورة الوفاة خلال الثلاثين يوميا التالية لمغادرتهم المستشفى ضد رغبة الطاقم الطبي. وكان الباحثون قد تابعو أكثر من 84 ألف مريض غادر المركز الطبي في نيويورك خلال الفترة ما بين عامي 2002 و2008، وتبين لهم أن من بين أولئك الذين يُغادرون المستشفى ضد نصيحة الطبي فإن 25 في المائة منهم يضطرون إلى عودة الدخول إلى المستشفى خلال فترة الشهر التالي! وهذا بخلاف نسبة 11 في المائة لعودة الاضطرار إلى دخول المستشفى في حالة المرضى الذين يُغادرونها بنصيحة الطبيب وموافقته على المغادرة والتخطيط لذلك. planned discharge كما تبين لهم، وهو الأهم، أن احتمالات الوفاة خلال فترة الشهر التالي هي أعلى بنسبة 100 في المائة بالمقارنة مع من يغادرونها وفق توجيهات الأطباء وبعد استكمال معالجتهم.
وعلق الدكتور ويليام ساوثرن، الباحث الرئيس في الدراسة على هذه النتائج، بالقول: «هذه نتائج واقعية، وما يجب أن يعيه هؤلاء المرضى، وذووهم، هو أنهم ليسوا فقط أكثر عرضة لعودة الدخول إلى المستشفى بل أكثر عرضة للوفاة خلال الأيام الثلاثين التالية لخروجهم من المستشفى».
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض