هوايتي الأولى كانت الرضاعة

TT

قرأت في جريدة «الحياة» خبرين بجانب بعضهما بعضا..

الأول جاء فيه: اليمن يخسر (2.5) مليار دولار في 15 شهرا، جراء تخريب أنابيب نفط وغاز.

وجاء في الثاني: مشاريع بناء في (أبوظبي) بـ(22) مليار دولار.

فماذا تفهمون من هذا؟!

الذي أفهمه أنا: أنه (الأمن) أولا وعاشرا.. وقد جاء في الحديث الشريف ما معناه أن من بات آمنا في سربه، ومعافى في بدنه، ومالكا قوت يومه، فكأنما ملك الدنيا وما فيها.

إنني في هذه اللحظة أملك الدنيا وما فيها، ولا أدري ماذا يخبئ لي القدر غدا!.. ولا أستبعد إطلاقا أنه سوف يعطيني (الطرشة)، وحتى لو أعطاني إياها فسوف أقول له: شكرا.

***

هناك ملحق يصدر مع هذه الجريدة في كل يوم جمعة عنوانه (صحتك)، وفي ذلك اليوم بالذات وقبل أن أفتح الجريدة، أستعرض الملحق، لأنني من المفتونين بكل ما هو صحي إلى درجة (الوسوسة)، وذلك من أجل المحافظة على حياتي حتى الرمق الأخير، وكأنني أحافظ على حياة صاحبة الجلالة الملكة (إليزابيث)!!

ووجدت في ذلك العدد استعراضا وتحقيقا لمزايا الرضاعة الطبيعية للطفل، وأنه كلما طالت مدة الرضاعة كانت انعكاساتها على صحة الطفل إيجابية.

عندها تذكرت ما قيل لي عن بداية تشريفي لهذه الدنيا الفانية، عندما أصبحت وبالا على والدتي المسكينة التي دفعت حياتها ثمنا لوجودي، ومن أجل أن أبقى على قيد الحياة، فكان لا بد أن (أرضع)، وحيث إنني نشأت ولا فخر في بيئة بدوية صرفة ليست فيها أي (ببرونة) ولا حتى (لهّاية)، فلم يكن هناك والحال كذلك غير المرضعات جزاهن الله ألف خير، وهن اللواتي تقاطرن بكل أريحية عليّ الواحدة تلو الأخرى (وهات يا رضع)، إلى درجة أنه قيل إنني رضعت بالتناوب أكثر من صدر خمسين امرأة ولم أتعب ولم أشبع.

وذكرت لي خالتي رحمها الله في ما بعد أنني لم أكن أقبل الرضاعة من أي صدر - ويبدو أنني من يومها كنت انتقائيا - ولا أستبعد أن هناك العشرات من النساء والرجال هم اليوم إخوة لي من الرضاعة وأنا لا أدري وهم كذلك لا يدرون.

وأكدت لي خالتي أيضا أنني استمررت في الرضاعة بطريقة (مشفوحة) إلى ما يقارب الثلاث سنوات، ولولا أنهم فطموني عنوة، لاستمررت في ذلك حتى السابعة من عمري أو أكثر من ذلك بكثير.

وبحكم أنني أعز حليب الأمهات جدا، لهذا فإنني أتسقط أخبار كل ما يمت بصلة لهذا الغذاء الحيوي، وعرفت أخيرا أن هناك امرأة أميركية (لبونة) كانت تبيع حليب صدرها لكل من تطلبه منها، وعندما جف صدرها خطرت على بالها فكرة جهنمية، فأنشأت مشروعا أطلقت عليه مسمى (حليب الأم الطبيعي)، وراحت تأخذ مادته من صدور الأمهات إما بالتبرع أو الشراء، وتضعه في زجاجات مختومة و(مبسترة)، وتبيعه لمن يريد، وحققت من ورائه ربحا كبيرا، طبعا أكثر زبائنها كن من الأمهات حديثات الولادة من أجل صحة أطفالهن، غير أن المصيبة أن بعض الرجال أيضا كانوا من زبائنها ويستطعمونه، والحمد لله أنني لم أكن منهم، لأنني قد فطمت منذ زمن بعيد.

***

صحيح أنه من أعظم أنواع التحدي أن تضحك وعيناك تذرفان الدموع.

[email protected]