مسكين شعب الإكوادور!

TT

أنا رجل من الإكوادور. بسيط مثل بلدي. لا نية عندي في تحرير العالم، لأن هذا فوق طاقتي. لكنني حريص ويمكن أن أقاتل من أجل حرية بلدي وعائلتي وحريتي. ولست أنتمي إلى أمة خالدة، بل إلى إحدى أمم الله ودياره. تعذبنا كثيرا وتألمنا كثيرا، وأنا الآن في مدينة صغيرة امتلأت بالمتقاعدين الأميركيين الذين نوفر لهم أرقى أنوع الطبابة ومعيشة لائقة واحتراما كليا للنفس. لم نكن نتخيل أن نتفوق على الولايات المتحدة في أي مسألة. لكن هذا ما حدث. مثل كل بلدان العالم لا حظ دائما ولا سوء حظ مقيما. مرة جاءنا رئيس لبناني الأصل يسمي نفسه «المجنون». حوّل القصر الجمهوري إلى مرقص وسرق كل شيء حتى الملاعق. ثم رضي الله عنا فجاءنا لبناني آخر أعاد الهدوء والعقل. وأرسلنا «المجنون» إلى فنزويلا مع رقّاصاته وحراميته. وعدنا إلى حياة طبيعية.

ليس للإكوادور دور دولي تلعبه مثل هوغو شافيز. وقد تركنا له إنقاذ البشرية وانصرفنا إلى أعمالنا وحياتنا البسيطة. فبعد التقهقر الطويل أمامنا مسيرة طويلة للتقدم. وها نحن الحمد لله، لقد أصبحنا على الطريق الصحيح، كما يقال. وهذا يعني أننا دخلنا دائرة الأمل في حياة أفضل. وليس من طموحات أخرى. كل ما نريد هو أن يتمتع أبناؤنا بالحرية والأمن والكرامة البشرية.

قطعنا مجالا كبيرا في هذه الحياة. أما كيف أعرف ذلك، فعندما أشاهد نشرة الأخبار قبل النوم، أسمع أخبار الرئاسة وبعض المشاريع الجديدة وانخفاض نسبة البطالة والفقر. وشيئا من الأخبار العالمية. أقوم إلى الفراش. نحن في الإكوادور ننام بلا كوابيس. لا نشرات عاجلة على التلفزيون. لا ملاحق سريعة تنذر بأن شؤما مريعا قد حل. لا جنازات جماعية. لا حرائق للعاصمة. لا جثث مكدسة. لا مستشفيات طارئة في المساجد. لا ملاعب مليئة بالجيش. تلك الأمور تحدث في الدول العظمى، أم الشعارات والوحدات وإنقاذ الشعوب والعالم ونشر دبابات الأمن وحفظ السلامة بين بيوت الناس ومدارس الأطفال. أما نحن فرتابة وروتين. عمل وتقدم، بطيء أحيانا، ولكننا والحمد لله بلا نشرات أخبار عاجلة. ونكاد نكتفي بنشرة أسبوعية عن أحوال البلاد.

كأن تقول بدأنا نفيق من غيبوبتين: واحدة أغرقتنا فيها الرأسمالية الأميركية عندما حولتنا إلى أجراء وعبيد، وأخرى أعمتنا فيها الاشتراكية السوفياتية عندما حاولت نشر فشلها وطغيانها وسجونها، باسم الحريات. الآن، عدنا إلى أنفسنا، والحمد لله. لا من يبيعنا الحرية في سوق العبيد، ولا من يبيعنا الأمل في سلال فارغة. لا نشرات أخبار عندنا. الحمد لله. لا جثث في الممرات والساحات. لا بلدان تدمر لأن موعد ذهاب رئيسها قد حان. لا شعوب تولد وتعيش وتموت في ظل خطاب واحد. طبعا هذه حياة شديدة الرتابة لا إثارة فيها مثل أفلام العنف الأميركية. لكن الرتابة سعادة مخفية. اللهم أبعد عن بلادنا النبأ العاجل.