(الرياض) كيف كانت؟ وكيف أصبحت؟!

TT

تعتبر مدينة الرياض اليوم من أكبر مدن منطقة الشرق الأوسط، إن لم تكن أكبرها من ناحية الاتساع والنمو.

ولكن دعونا نلقي عليها نظرة (بانورامية) في أوساط العشرينات الميلادية كيف كانت؟!

يذكر بعض المؤرخين أنها كانت لا تعدو بلدة بسيطة مستطيلة، تمتد من باب السويلم والمذبح إلى بابي القري والثميري شرقا، وشمالا من باب الظهيرة حتى باب الوسيطى جنوبا، ولا تزيد المسافة في كل جهة من جهاتها الأربع على مسير ربع ساعة على الأقدام من (الصفاة)، وكثيرا ما كان الناس يخرجون إلى الأرض البراح لقضاء الحاجة، مع وجود المراحيض في البيوت الكبيرة.

ويتوسطها قصر الملك عبد العزيز - (الإمام) في ذلك الوقت - ويضم القسم الغربي من القصر (بيت المال) - أي مخازن التمر والرز - ويتولاها (حمد بن فارس)، وخازن الألبسة على اختلافها والنقود وأمينها (شلهوب) واسمه محمد بن صالح، وشرق هذه المخازن حوش واسع كثيرا ما كان (الإمام) يمر به، ولفت نظره كثرة الأطفال والصبية والشباب من أبناء الخدم المقيمين داخله، والعاملين فيه أثناء النهار، حيث يتخذون من ممراته وطرقه مجالا لعبثهم ولعبهم، فيحدثون قلقا وإزعاجا لراحة السكان، أو بعض المارة، بحيث إن (الإمام) أحس بذلك وهو سائر إلى مجلسه الكبير، فدعا (ابن مسلم) المنوط به الإشراف على شؤون القصر، وأمره بتهيئة مكان يجمع فيه أولئك الصبية، وأن يذهب للشيخ محمد بن إبراهيم ليعين مدرسين لتعليمهم القراءة والكتابة وبعض العلوم النافعة، وهذا ما حصل، وهدأت الأمور بعد ذلك.

وفي طرف القصر يقع المسجد، وشرقه (ديوانية القهوة) وبجوارها شمالا (المطبخ)، أما (المضيف) فقسمان (مضيف ابن مُسلم) وهو مخصص للحضر، و(مضيف خُريمس) للبادية، وفيهما يأكل يوميا الآلاف من الناس ولا يرد منهم أحد، ولا يسأل أحد حتى عن اسمه أو جنسه.

وهناك مكان للوفود المقبلين من الخارج، وفي القسم العلوي من القصر في غربه تقع المكاتب، وبجوارها الأمكنة المخصصة لجلوس الملك، ومنها المجلس الكبير، الذي يستقبل فيه الناس جميعا، فيفصل بينهم، ويحيل من يحيل منهم للشرع، ويعاقب المخطئ، وينصح الجاهل، ويشجعهم ويحثهم على مكارم الأخلاق، وكل من يأتيه كان يناديه تحببا باسمه مجردا من أي ألقاب قائلا: يا عبد العزيز.

وتحت جدار القصر الغربي الشمالي سوق للنساء، يبعن ويشترين فيها، ويرتادها الرجال لشراء بعض ما يحتاجون من الأطعمة الجاهزة - كاللحم المطبوخ والخبز واللبن والزبد - وبعض الخضر والأفاوية، وعلى مقربة منها غرب دكاكين السوق الكبيرة التي يدعونها الموسم يقع (المقصب) سوق الجزارين، وغربها مكان بيع الأعلاف - القت وقصب الذرة - وهناك محل بيع الغنم وبقية الدواب.

وفي مدخل أبواب البلدة أبراج مربعة مرتفعة، وفي أعاليها منافذ يبصر منها المقبلون على بُعد، تدعى (مزاغيل)، وفي المساء تغلق أبواب السور ولا تفتح إلا بعد الفجر.

وحدائق النخيل كانت تحيط بالمدينة من جميع جهاتها، والمقبل إليها يشعره بقربها سماع أنين السواقي (السواني) من مسافة بعيدة، إذ يهيأ محور المحالة بطريقة تحدث له صريرا مرتفعا، ويسنى على الحمير بخلاف ما يجري في البلاد الأخرى من السني على الثيران، وعلى الإبل.

هكذا كانت الرياض، وهكذا كانت الحياة فيها، إنها لمحة خاطفة ليس فيها تفاصيل.

أما حديثنا عن رياض الحاضر فيطول شرحه، وليس هذا هو مجاله اليوم.

[email protected]