المشكلة في الإعلام السوري

TT

آخر الإجراءات التي قامت بها السلطات السورية في ميدان الإعلام خطوتان؛ كانت الأولى إعادة هيكلة مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر والتوزيع وتحويلها من مؤسسة حكومية إلى شركة مساهمة مغفلة وفق قانون الشركات، باسم الشركة السورية للإعلام والنشر، وكلفت الشركة القيام بإصدار صحيفة جديدة باسم «تشرين» تحل محل صحيفتي «تشرين» و«الثورة»، وأن تأخذ الصحيفة الجديدة على عاتقها مهمة إصدار ملاحق ودوريات وصحف متخصصة إضافة إلى صحف يومية تصدر في المحافظات الأخرى، إضافة إلى إصدار صحيفة إلكترونية تحمل اسم الصحيفة الورقية. والخطوة الثانية التي قامت بها السلطات السورية، موافقتها على قرار المجلس الوطني للإعلام المتضمن إعطاء ترخيص لإصدار ست صحف وثلاث عشرة مجلة خاصة من مختلف التخصصات الإعلامية.

وحسب الأوساط الرسمية في دمشق، فإن ما تم القيام به إعلاميا يضاف إلى إجراءات سبقت منها إصدار قانون للإعلام مصنف في سياق تحسين واقع الإعلام السوري الذي يقول المسؤولون إنه ملحوظ في إطار الإصلاحات التي تقوم السلطات بها لمعالجة جوانب الأزمة التي تغرق فيها البلاد منذ خمسة عشر شهرا وتنزف فيها دما من أبنائها وتدميرا من قدراتها وإمكاناتها.

غير أن الكلام الرسمي بصدد الإصلاح، لا يجد في الواقع ما يدعمه ويؤكده، ليس فقط بسبب عجز الإصلاحات عن معالجة الأزمة التي تعيشها البلاد، وهو الهدف الرئيسي المعلن للإصلاح الرسمي، بل لأن الخطوات الإصلاحية لا تحدث أي تغييرات إيجابية في المجالات التي تتناولها، وهذا أمر مؤكد بصدد إلغاء حالة الطوارئ، التي زادت انتهاكات حقوق السوريين بعد إلغائها في العام الماضي، وكذلك الأمر في موضوع حزب البعث الذي ألغى الدستور الجديد دوره «القائد في الدولة والمجتمع»، لكن الانتخابات التشريعية الأخيرة أعطت حزب البعث الحاكم مقاعد في مجلس الشعب أكثر من أي مرة سابقة، وبالتالي كرست حضوره أكثر في السلطة التشريعية، وهذا هو حال كل الإصلاحات التي قالت السلطات السورية إنها قامت بها في الفترة الأخيرة.

وما تم القيام به من خطوات إصلاحية في الإعلام السوري، ومنها ما تم مؤخرا ينتمي إلى السياق نفسه، إذ إنها خطوات شكلية وليست جوهرية، حيث تمت إعادة هيكلة أكبر مؤسسة صحافية رسمية من الناحية الإدارية والفنية، وجرى تغيير شكل ملكيتها، وتحديد جديد لمهامها في الجانبين الإداري والفني، وهي في الوقت نفسه وسعت من الحيز الذي يشغله القطاع غير الحكومي في الإعلام السوري.

إن شكلية هذه الخطوات، تعود إلى أنها لم تحدث أي تبدلات في بنية الإعلام السوري ومهمته الأساسية ووظيفته؛ إذ هو في بنيته إعلام تابع ومرتبط بالسياسة الرسمية وخاضع لها سواء في مؤسساته الرسمية أو شبه الرسمية، كما في المؤسسات التابعة للقطاع الخاص، وهو في وظيفته، لا يعدو كونه صوت السلطة لا صوت المجتمع، ووظيفته تفسير وتبرير السياسات الحكومية والترويج لها، أكثر من وظيفته في نقل الأخبار والتحليلات ووجهات النظر، وتفسير ما يجري بطريقة موضوعية، تسمح للمتلقين بالحصول على صورة حقيقية للأوضاع القائمة، وفتح آفاق للتعاطي معها.

لقد بينت أشهر الأزمة السورية في مجرياتها العامة وفي تفاصيلها اليومية الافتراق الكبير بين كثير من السوريين والإعلام السوري، الأمر الذي وصل إلى حد وصف المتظاهرين للإعلام بأنه «كاذب»، بل إنهم تجاوزوا ذلك إلى جعل مؤسسات في الإعلام الرسمي والخاص موضع تندر وسخرية، وكذلك رموز في المؤسسات الإعلامية الرسمية، كما بدا الحال مع قناة «الدنيا» الخاصة وشقيقتها الرسمية الفضائية السورية، ولم يكن الأمر بأقل مما سبق في التعامل مع مؤسسات إعلامية أخرى مرئية ومسموعة ومقروءة وفي الإعلام الإلكتروني.

لقد كشف موقف السوريين من الإعلام جوهر مشكلة الأخير، وهي خضوعه الكلي للسياسات الرسمية قولا وفعلا، وتجاهله الكلي للمعطيات التي لا تتوافق مع السياسات الرسمية وقيامه بدور المبرر والمفسر للمواقف الحكومية بغض النظر عن حقيقتها وموضوعيتها، وهذا ما كان ينبغي على السلطات أن تفكر فيه لو كانت بالفعل راغبة في خطوات إصلاحية تتعلق بالإعلام السوري وخاصة في المرحلة الراهنة.