العصا من الجنة

TT

التقيت بزميلي عبد الودود فرأيته مقطب الجبين مكتئبا على غير عادته. سألته فقال يا أبو نايل، أين ستصل الأحوال في هذا البلد؟! (كان يقصد طبعا بهذا البلد، بريطانيا وليس العراق.. فالعراقيون أصبحوا يقصدون بـ«البلد» البلد الذي يقيمون فيه وآواهم. ولم يعودوا يعتبرون العراق الذي شردهم وخطفه الإيرانيون بلدهم). واصل كلامه فقال كان المعتاد في هذا البلد إذا لقي الإنجليزي شيئا ساقطا ولو كان مبلغا كبيرا، أن يسلمه للشرطة أو مكتب «الأموال المفقودة» في بيكر ستريت. كان صاحبي قد نسي عصاه التي يتوكأ عليها في القطار. فذهب بعد أيام إلى هذا المكتب يستفسر عنها. فتحوا الدفتر ودققوا ولم يجدوا أثرا لها. «متأسفون.. لم يسلمها أحد لنا».

كيف يا أبو نايل؟ هذه عصا يعتمد عليها إنسان معتل ويحتاج إليها في سيره. أي رجل هذا الرجل الذي يعثر عليها ويستملكها ويأخذها لبيته ويحرم منها إنسانا أعرج؟

فكرت قليلا ثم قلت له يا أخي عبد الودود، ربما كان هذا الرجل الذي عثر عليها أحوج إليها منك. رآها فقال إن الشخص الذي نسي العصا لم يكن في حاجة إليها وإلا لما نسيها وخرج من القطار بدونها. يظهر أنك في الحقيقة لا تحتاج إلى أي عصا في سيرك.

كنا جماعة من المغتربين العرب. انضم للنقاش الزميل أبو عبد الله. قال، أنتم لا تعرفون. هذا الرجل الذي أخذ العصا ربما كان في حاجة إليها أكبر من حاجتك. إنه يحتاج إليها في تأديب زوجته المارقة. انظروا لكل هؤلاء النساء الجالسات أمامنافي تنورات قصيرة. هذا رجل شريف احتاج إلى العصا ليؤدب بها زوجته. وكما تعرفون من تراثنا أن العصا من الجنة، لأنها تخلص الناس من آثامهم.

وأضاف زميل آخر، لاجئ يعيش على مساعدات اللاجئين، فقال أنا لي رأي آخر. أدركت فورا أن المتكلم لاجئ من العراق. فلكل عراقي دائما رأي آخر. قال أنا أعتقد أن هذا الرجل الذي عثر على العصا ولم يسلمها للشرطة، واحد منا. سيأخذ العصا ويبيعها. وبثمنها يشتري بطاقة يانصيب. وربما يفوز بالجائزة الأولى ويصبح مليونيرا يجالس كل هؤلاء المليونيرات الذين سرقوا مليوناتهم من حكوماتهم. فلماذا يا سيد عبد الودود تبخل عليه بذلك؟ تحتاج عصا، اذهب لمستشفى سان جورج وقل لهم إن الشرطة في سوريا كسروا رجلك أثناء التعذيب وتحتاج إلى عصا، فيعطونك عصا أحسن من التي أضعتها وجئت بها من الأردن.

تكلم أخيرا الزميل مبارك، أستاذ في علم النفس من مراكش. قال أنتم يا أهل المشرق تفكرون دائما تفكيرا ذكوريا ولا تعطون للإناث أي دور في الموضوع. لماذا تفترضون أن من عثر على العصا ولم يسلمها للشرطة البريطانية كان رجلا؟ ربما كانت امرأة وشاهدت هذه العصا وخطر لها أنها أحوج إليها منك يا سي عبد الودود. وأخذتها.

انتهى النقاش بأن أعطيت مظلتي لزميلي يتوكأ عليها وأمشي أنا تحت المطر الغزير.