معصومية 17 فبراير العظيم

TT

سنت ليبيا الجديدة قانونا يجرم التعرض لثورة 17 فبراير (شباط). سبق هذا أي قانون آخر أو دستور أو تنظيم أو مرسوم يحمي حقوق الشعب الليبي، القانون الأول هو حماية الثورة منه، وهو قانون تجريمي منقول، بالقليل من التعديل، عن قانون حماية ثورة الفاتح العظيم والقائد الملهم.

أرجو ألا يشعر الإخوة الثوار في ليبيا بأي حرج. أول ما يفعله الثوار الجدد هو ارتداء أثواب الثوار القدامى واحتلال قصورهم وانتعال «جزماتهم» الثقيلة، واستخدام سجونهم، والاستعانة بجلاديهم. حدث هذا في كل مكان، شاهدنا المناضلين في لبنان يرفعون لافتات الاشتراكية، ويصابون ببحة الجاذبية الجماهيرية، وتتقطع حناجرهم في الدفاع عن حقوق الفقراء، ثم شاهدنا قصورهم تعلو على التلال، وكذلك قصور الإخوة المناضلين في سوريا، كما شاهدنا كثيرا من المصارف يمتلكها أبطال الماركسية العالمية، ولا ضرورة للإفادة بأنني لا أعرف ماذا تعني، ولا هم يعرفون.

جاءت جحافل الديمقراطية الأطلسية تمهد الطريق أمام ثوار 17 فبراير من دون أن تعرف مقدما أنهم معصومون عن النقد مثل هادي الصحراء، أو مثل صدام حسين الذي اكتشف بعد سنوات البعث والرسالة الخالدة أنه من سلالة أهل البيت، فبعد أن ورث العراق مع إخوته وأبنائه، قرر أن يرث شيئا من حقيقة الدين.

يخصص برلمان سوريا (وبرلمان مصر) قسما كبيرا من المقاعد للإخوة العمال والفلاحين، وتخصص للمنادين بقضاياهم أضخم أنواع سيارات المرسيدس والوكالات التجارية ورهبة المرور، لم يلقم فقراء العالم العربي سوى فتات الحناجر، لا يخجل «مناضلو» الأمس في نشر قصورهم على التلال والروابي. لا يقارن الإقطاعيون الذين حلوا محلهم بما بلغوه، مالا وجاها وفظاظة وفسادا واحتكارا وازدراء واحتقارا لذاكرة الناس.

لا حرج على ثوار 17 فبراير إن هم هددوا الناس بما هددهم به من قبل أمين العروبة وملك ملوك أفريقيا وصاحب الرقم القياسي في اغتصاب النساء، لكن قبل إصدار هذا القانون كان يجب أن يحدد أصحابه من هم الذين يشملهم قانون العصمة، وما هي رتبهم، وإن كان يجب الخضوع أمام ذواتهم العظمى حين يطلون على الناس، كما هو الحال في بعض الدول العربية.

مشكلة المعصومية في البشر أنها صعبة التوزيع، فالأخ الغاصب احتكر ثورة الفاتح لنفسه العظمى وحدها، أما ثورة 17 فبراير فقادتها كثر، وأبطالها الحقيقيون هم بسطاء ليبيا من رجال ونساء، لا تستبدلوا كتم الصدور بمثله، دعوا ليبيا تعيش.