جلسة أنس وفرفشة

TT

بينما كنا مجموعة من (شلة الأنس) جالسين بأمان الله في صالون أحدهم، وحولنا كل ما لذ وطاب من (المكسرات) والجزر والخيار والخس والجبن، والزيتون كذلك، وتشنف آذاننا كوكب الشرق وهي تصدح بأغنية (على بلد المحبوب وديني).

وإذا بصاحب الصالون يقطع علينا انسجامنا وفرفشتنا ويطرح علينا سؤالا طويلا وعريضا وغبيا، بدأه بالحكاية التالية:

ركب زوج وزوجته وأولاده الأربعة ووالدته في قارب صغير يقصدون النزهة والترويح عن النفس، وسار القارب طويلا حتى بلغ منتصف النهر، وفجأة اكتسحته موجة طاغية، فانقلب القارب الصغير بمن فيه.

واستحالت النجاة على الأطفال الصغار والسيدتين، وهم جميعا لا يعرفون السباحة، ولم يكن ثمة مجال لإنقاذهم، إذ لا يوجد قارب على مقربة منهم، وقال الرجل لنفسه:

- من الذي أنقذه من هؤلاء؟

كانت هذه أخطر لحظة في حياة هذا الرجل المسكين، أسرته كلها تغرق تحت بصره وهو لا يملك أن ينقذها.

إنه يستطيع بصعوبة أن ينقذ فردا واحدا منها، فمن هو هذا الفرد الذي يختاره؟!

قال الرجل في نفسه:

- إن أولادي يمكن أن أنجب سواهم، وزوجتي من اليسير أن أتزوج غيرها، أما والدتي فمن المحال أن أجد سواها.

وحمل أمه على كتفه ومضى إلى الشاطئ، وترك وراءه أبناءه وزوجته يغالبون الموت.

فما رأيكم، هل أخطأ الرجل أم أصاب؟!

عندها لم أملك إلا أن أسأله: هل أنت حشاش؟!

تفاجأ من سؤالي وقال: ماذا تقصد بحشاش؟!

قلت له: أقصد بالعربي الفصيح: هل أنت تتعاطى حشيشة الكيف؟!

فاهتز في مكانه من شدة الغضب وقال لي: الحقيقة أنك ما تستحي، واسمح لي أن أقول لك: إنك إنسان غير مؤدب، ووالله لو أنك لم تكن في منزلي لكان لي (معاك) تصرف آخر.

تدخل البعض محاولين فك الاشتباك الكلامي بيننا.

غير أنني لم أستسلم وصعدت الموضوع أكثر وقلت موجها الكلام للجميع وأنا أشير لخصمي: إن أخانا بالله بقصته وسؤاله الغبي هذا يريد أن يحصرنا ويخيرنا بالاختيار بين الجحيم وجهنم.

ثم التفت إليه أسأله وأنا أريد أن أقلب الطاولة عليه قائلا: ما رأيك أنت يا باشا، هل أصاب الرجل أم أخطأ؟!

فتزحر قائلا: من وجهة نظري أن ما فعله هو عين الصواب والحكمة.

قلت له: ليذهب هو وأمه (بقريح)، فسألني ماذا تقصد بقريح؟!، أجبته مؤكدا: ليذهب هو وأمه في ستين داهية، لأنني لو كنت في مكانه لكنت أول الغارقين، فإما أن نكون جميعا أو لا نكون.

فصاح بعض الثعالب والأرانب من الحاضرين قائلين: أرجوكما غيرا الموضوع، فقلت لهم: إنني على أتم الاستعداد لأن أغير الموضوع على شرط أن تغيروا أنتم أغنية أم كلثوم وتستبدلوها بأغنية محمد عبد المطلب (يا حاسدين الناس مالكم ومال الناس).

وهذا ما حصل، ورجعنا مرة أخرى لجو الفرفشة.

[email protected]