وجهة النظر الإيرانية بشأن التوصل إلى اتفاق

TT

إنه نموذج معروف من السعي إلى عقد اتفاقيات تتسم بالمجازفة السياسية، حيث قررت كل من إيران والغرب، في محاولة كل طرف الحصول على تنازلات من الطرف الآخر، عقد جولة جديدة من المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني تبدأ في الـ17 من يونيو (حزيران)، قبل بضعة أسابيع من تطبيق حزمة العقوبات الجديدة على إيران.

في ختام جلسة المفاوضات التي عقدت يوم الخميس في بغداد، وصفت كاثرين أشتون، مسؤولة الشؤون الخارجية بالمفوضية الأوروبية، وممثلة الغرب، المأزق قائلة: «من الواضح أن كلينا يريد إحراز تقدم، وتوجد بالفعل أرضية مشتركة. مع ذلك لا يزال هناك اختلافات كبيرة».

ما احتمالية أن تسفر لعبة رفض التنازلات عن أي اتفاق مقبول؟

قد يقول متشكك إن الفرصة ربما تكون ضئيلة في ظل انعدام الثقة المتبادل بين الطرفين والاعتقاد السائد من الجانبين بأن أفضل طريقة للوصول لاتفاق هي الضغط بقوة على الطرف الآخر، ولكن ليس أمامهم سوى الاستمرار لأن الخيار العسكري هو البديل الآخر في حال فشل المحاولات الدبلوماسية.

في محاولة لتصور حل مقبول، تحدثت أشتون يوم الخميس إلى سيد حسين موسافيان، العضو السابق في الوفد الإيراني المفاوض، وهو الآن باحث زائر في جامعة برينستون. كذلك قرأت هذا الكتاب الجديد الرائع «الأزمة النووية الإيرانية: مذكرات» المنتظر نشره الشهر المقبل.

تقوم حجة موسافيان الأساسية على إمكانية التوصل إلى اتفاق، لكن شريطة الاعتراف بحقوق إيران كطرف موقع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. يعني هذا عمليا أن الغرب يجب أن يتخلى عن هدفه في منع إيران من تخصيب اليورانيوم، الذي تسمح به المعاهدة، ويركز جهوده عوضا عن ذلك على ضمان عدم قيام إيران بتصنيع سلاح نووي.

يستشهد موسافيان بالوعد الذي قطعه المرشد الأعلى علي خامنئي عام 2004 حين قال: «سوف أستقيل إذا حرمت إيران من حقها في تخصيب اليورانيوم لأي سبب».

كنا نتمنى أن تكون الأمور مختلفة، ولكن أعتقد أن موسافيان على حق في أن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم للحد المسموح به يعد شرطا أساسيا للتوصل إلى اتفاق.

ويعتقد موسافيان أنه عند الاعتراف بهذا الحق، سوف تتخلى إيران عن امتلاك مخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة التي من المحتمل أن تتضمن قدرا من الخطورة. وخلال القيام بإجراءات بناء الثقة، قد تصدر إيران ذلك المخزون الزائد عن حاجتها للأغراض المحلية المدنية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة.

من النقاط الأخرى العميقة التي يتطرق إليها موسافيان احتمال عدم موافقة إيران على أي خطوة إذا رأت أنها ستتم بالإكراه. يتناقض هذا مع الاعتقاد السائد في واشنطن، وهو جلوس إيران على طاولة المفاوضات فقط لأن العقوبات المفروضة عليها قد بدأت تسبب لها أضرارا.

يبدو لي أن مسار الضغط قد أتى بعض الثمار، ولكنني أتفهم وجهة نظر موسافيان بأن إيران «لن تقدم تنازلات كبيرة تحت التهديد».

إن المباحثات الدبلوماسية الناجحة هي عملية يستطيع كل جانب فيها أن يزعم تحقيق بعض النجاح، وليست عملية قائمة على طرفين أحدهما يطلب والآخر يذعن.

من المفيد محاولة رؤية تاريخ المباحثات بعيون إيرانية. وهذا ما تكشف عنه وجهة النظر الإيرانية. رفع خامنئي عام 2005 حظر التفاوض مع أميركا، وفي عام 2009 عرضت إيران تصدير اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة إلى الولايات المتحدة، وجددت هذا العرض مع مميزات أكبر عامي 2010 و2011، كما وافقت إيران على الاقتراح الروسي في شهر يوليو (تموز) الماضي، بتعليق زيادة التخصيب وقبول «البروتوكول الإضافي» الخاص بالوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل السماح بالتفتيش. وقد شعر الإيرانيون أنهم لم يحصلوا على أي شيء غير العقوبات في مقابل قيامهم بهذه الخطوات. وكلما حاول الغرب الضغط على إيران من أجل مكاسب أكبر، تعمد الإيرانيون القيام بأفعال تستفز الغرب. قد يكون ذلك بسبب إصرارهم على اكتساب قدرة تصنيع أسلحة نووية أو بسبب مقاومتهم تكتيكات الضغط عليهم. في كل الأحوال لم تجد الجهود الأخيرة لفرض قيود على إيران نفعا.

ويرى موسافيان أن الوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي ممكن، مستندا في ذلك إلى أمرين، هما: حق إيران كدولة موقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، والفتوى التي أصدرها خامنئي بتحريم إنتاج الأسلحة النووية. ويرى موسافيان أن الأمن الحقيقي يستلزم من إيران والولايات المتحدة تدشين مفاوضات ثنائية.

ويقترح موسافيان أن يفتتح جدول أعمال تلك المحادثات بموضوعين يتعلقان بمصالح مشتركة لكلتا الدولتين، وهما استقرار أفغانستان في ظل حكومة لا تنتمي لحركة طالبان، ومنع تهريب المخدرات في المنطقة. ومن الأدلة التي قال موسافيان إنها تؤكد استعداد إيران إرسال دعوة إلى السويد في شهر فبراير (شباط) عام 2011 إلى مارك غروسمان، المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان، لزيارة طهران من أجل المباحثات. وذكر مصدر أميركي أن واشنطن اقترحت أن تتم المحادثات في أفغانستان بدلا من إيران، ولكن إيران رفضت.

إلى أي مدى ما قاله موسافيان له ما يدعمه على أرض الواقع؟ إن الاختبار الوحيد هو المفاوضات، حيث سيمنح كل طرف الطرف الآخر شهرا لاكتشاف الوسائل الأخرى بعيدا عن المجازفة.

* خدمة «واشنطن بوست»