السادة اللاتينيون

TT

تعتبر «نوبل» الآداب أهم مروِّج للمؤلفين. فما أن ينالها أحدهم حتى يصبح عالمي الشهرة، وإذا كان يكتب بلغة غير مسيطرة، مثل نجيب محفوظ، أو غابرييل غارسيا ماركيز، حتى يترجم فورا إلى كل اللغات. والترجمة سحر. هي التي نقلت إلى العالم أعمال تلك الكوكبة من الأميركيين اللاتينيين وجعلتهم يتقدمون على من ألفناهم من أدباء أميركا وفرنسا وبريطانيا.

لم ينل كارلوس فونيتس، المكسيكي الذي رحل أخيرا، جائزة نوبل لكنه نال شهرة كبرى مثل مواطنه اوكتافيو باث، الذي مثله جاء إلى الأدب من الدبلوماسية. ومثله كتب في الرواية والشعر والنقد، ولكن باث كان أشد عمقا وأجمل أسلوبا. ولعله قد يدخل التصنيف الكلاسيكي في الأدب الإسباني. ولهذا المصطلح تفسيرات كثيرة، أفضل عليها جميعا الأدب الذي يقاوم النسيان ويقرأ في كل عصر، جديدا كما قرئ في عصره، ولا يبلغ هذه المرتبة إلا القليل في عالم يفيض بملايين المؤلفات، كما تؤكد لنا محفوظات مكتبة الكونغرس.

يتجاوز كاتب، أو كتاب، عصره ومعاصريه، فنراه موجودا في كل العالم وفي معظم لغاته. ولا يعاد طبع نتاجه فحسب، بل تعاد ترجمته مرة بعد مرة، مثل كبار الروائيين الروس، أو مثل الإسباني سرفانتس، أو غوته أو بلزاك أو ألف ليلة وليلة، التي رأى فيها كثيرون منبعا لآدابهم، مثل الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. أو كليلة ودمنة التي لم يخجل الشاعر الفرنسي لافونتين بأنه تأثّر بها ونقل عنها.

وقد أصبح «والت ديزني» هو كليلة ودمنة العصر. وصار القرد والغيلم صورا ملونة متحركة، صورا تعلّم الأطفال المفردات والكبار المشاعر الإنسانية. ولم تعد السينما تكتفي بالصور المرسومة لأفلامها، بل صارت تستخدم الحيوانات المدربة تدريبا مذهلا على أداء أدوارها، كالدببة والكلاب، وقبلها الخيول الرائعة والجميلة، ناهيك طبعا بالطيور الذكية والخفيفة الظل كالببغاء، الذي يقلّده بعض البشر بمهارة، إلا خفة الظل.

بدأ معظم الكتّاب اللاتينيين في اليسار، وفي صداقة فيدل كاسترو، الذي استبدل الخطب المطوّلة بمدوّنة طويلة. ولكن فوينتس خرج من الصداقة دون الخروج من اليسار. كما خرج على الفنزويللي هوغو شافيز، الذي لم ير فيه سوى فاشستي يتحدث الإسبانية. ولم يكن أول الخارجين على الصداقة التي احتفظ بها ماركيز إلى الآن، بل كان أشهرهم الفرنسي ريجيس دوبريه، أحد أجمل كتّاب هذا العصر، يوم في اليسار ويوم صار في عكسه. وليس بالضرورة أن يكون العكس هنا هو اليمين، وإنما التحرر من الأنماط والنماذج الصخرية التي ترفض بإباء الانتقال إلى الحاضر. أو هو، لصراحته، يرفض قبولها فيه. فالرؤية مثل الحكمة، نافذة الماضي ومطل على المستقبل.