لا مستقبل للمستقبليين العرب

TT

استمعت في نادي «حديث الأمة» بلندن، للبروفسور مازن الرمضاني، الخبير العراقي في شؤون المستقبل. وكان الدكتور مازن قد ترك العراق واستأنف حياته في لندن، بعد أن أدرك أن موضوع المستقبل لم تعد له مكانة في العراق، فالحديث عن المستقبل موضوع غير مستحب هناك ويعتبر من قلة الأدب الخوض فيه. من يريد أن يعرف المستقبل يذهب لفتاح الفال.

ولهذا لم يتطرق الرمضاني في محاضرته لموضوع العراق وركز على مستقبل العالم ضمن المدى المتوسط الذي يضع المستقبليون حدوده بعام 2020. هذه طبعا ليست مشكلة العراق فقط، فكل العالم العربي لا يعبأ بشيء غير الماضي وما حدث قبل مئات السنين. ادخل أي دار كتب وسترى كيف أن جل ما صدر خلال السنة يتعلق بالماضي. لا أحد يكتب أو يفكر بالمستقبل. المستقبل للغربيين، وهنا يرى الرمضاني أن أميركا ستبقى مهيمنة على شؤون العالم خلال هذا المدى المتوسط. فبيدها هذه العناصر الثقيلة الثلاثة للقوة: الاقتصاد، والقوة العسكرية، والسياسة الخارجية.

أثير في هذا الصدد موضوع اللغة. فرغم أن الباحثين يحصرون أثرها في إطار العناصر الخفيفة، فإنني أرى أن دورها الخفي الذي يفلت عن الملاحظة يمكن أن يعتبر من العناصر الثقيلة على المدى البعيد. فغالبية الباحثين والعلماء ورجال الأعمال والبنوك والشركات الكبرى يميلون إلى حصر نشاطهم في حدود العالم الأنغلوسكسوني، وعلى الخصوص أميركا وبريطانيا. حتى المرضى يفضلون المعالجة هناك بسبب اللغة. لا عجب أن قال الإنجليز بالأمس إنهم يفضلون ضياع الإمبراطورية على ضياع شكسبير. وهذا ليس مجرد محبة بشكسبير وإنما لمعرفتهم بأن لغتهم سر قوتهم.

بالطبع يعود سر هيمنة اللغة الإنجليزية على العالم للتاريخ الإمبراطوري، وأخيرا انتشار النفوذ الأميركي في كل مكان. ولكنني أرى أيضا أن من أسرار ذيوعها واعتماد الناس عليها، بساطتها. فلا يحتاج المرء لأكثر من شهرين أو ثلاثة لتعلم كل ما فيها من قواعد النحو. وجعل هذا الأنغلوسكسون يتحاشون تعلم اللغات الأخرى. فهم لا يفهمون مطلقا لماذا نعتبر الطاولة مؤنثا والكرسي مذكرا. ما المنطق في ذلك؟ ساعدهم رفضهم تعلم اللغات الأخرى على فرض لغتهم على الآخرين. وهكذا فاقت اللغة الإنجليزية اللغة الفرنسية التي كانت اللغة الشائعة وحلت محلها. أتذكر أنني نفضت يدي من محاولة تعلم اللغة الألمانية حالما اصطدمت بقواعدها المعقدة. وهو ما يحصل لكل الأوروبيين الذين يحاولون تعلم اللغة العربية. وأعتقد أن من مشاكلنا مع إخواننا الأكراد أننا ننتظر منهم أن يستعملوا العربية فيصطدمون بمشاكلها ويعجزون عن التمييز بين المؤنث والمذكر فنضحك عليهم.

وهذه مشكلة خطيرة. فعلماؤنا وأطباؤنا ومهندسونا يجدون العربية أصعب عليهم من علومهم فلا يستعملونها ويلجأون للإنجليزية. وهذا ما أنادي به مرارا، لا بد من تبسيط قواعدنا النحوية. كثيرا ما سمعت من قرائي أنهم يستمتعون بمقالاتي لأنهم يجدونها سلسة ومفهومة. هذا ما أسعى إليه. ولو سمح لي رئيس التحرير لتجاهلت قواعد النحو كليا في ما أكتب. بدأت بالقول إننا لا مستقبل لنا. ومن دواعي قولي هذا تمسكنا بها.