الاندماج المالي والنمو يسيران يدا بيد

TT

كما أوضح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، هذا الأسبوع، فقد عقدت 18 قمة للاتحاد الأوروبي منذ توليه منصبه خلال مدة تزيد بقليل على عامين، ولم تسفر أي منها عن أية نتيجة تعتبر أقرب إلى حل للمشكلات التي تواجهها منطقة اليورو. كذلك، من المبرر القول إن الموقف ازداد سوءا بدرجة ما هذا الأسبوع. إن فرنسا وألمانيا الآن في صراع مفتوح حول النهج المستقبلي، إن وجد بالأساس.

بالنسبة لبريطانيا، التي قد تجرعت بالفعل مرارة التبعات اللاحقة للأزمة المالية، لم يبد الموقف جذابا، لكنها بدأت تمضي في طريقها للفوز بمعركة المنافسة. ما زلت أرى أن التغلب على أزمة المنافسة هو أكثر المهام أهمية في ما يتعلق بالتغلب على الأزمات الثلاث الموازية. ودائما ما كان من المرجح أن يؤثر الاندماج المالي الذي وقع عليه اختيار الحكومة الائتلافية تأثيرا سلبيا على الناتج، على الأقل على المدى القصير. ولتوظيف استراتيجية الاندماج المالي على النحو الملائم، تحتاج الحكومة إلى قدر كاف من النمو في بقية أجزاء اقتصاد العالم. وفي حين تملك شركات بريطانية عديدة مبالغ نقدية ضخمة وليست على استعداد للاستثمار حتى يتحقق لها الوضوح، ثمة إنتاج متزايد، كما تجري بعض الشركات استثمارات ضخمة.

لقد تسبب أكبر انهيار اقتصادي تشهده أوروبا لما يقرب من ثلاثة أعوام في إشعال الأزمة بالقارة الأسبوع الماضي، حيث حذرت استطلاعات الرأي الخاصة بالصناعة من أن تقضي المخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو على ثقة المستثمرين في ألمانيا وفرنسا. جاءت آخر إشارات دالة على التشاؤم الاقتصادي مع ظهور الأسواق في حالة من عدم الاقتناع بجهود آخر قمة عقدها قادة أوروبيون لتحفيز النمو، على نحو أدى لإضعاف اليورو.

لقد عانت فرنسا، التي قد عصفت بها بالمثل حالة من الشك قبل انتخاباتها الرئاسية، من أسوأ انهيار للقطاع الخاص منذ أبريل (نيسان) 2009 في خضم الركود الأخير.

الأمر الذي يثير مزيدا من القلق هو أن اقتصاد ألمانيا القوي، الذي يمثل نحو خمس ناتج منطقة اليورو، قد تقلص بشكل عام خلال مايو (أيار) الحالي، حيث عادل نمو الخدمات المرنة مجددا ضعف قطاع التصنيع.

انطلاقا من إشارتنا آنفا إلى أنه ليست كل الأخبار سيئة، خاصة هنا في بريطانيا، يبدو الخطاب المبسط القائل إن بعض الساسة المتهورين وقليلا من الاقتصاديين يجعلون هذا الاختيار ثنائيا - إما الاندماج المالي (عادة ما يشار إليه على نحو غير كافٍ بوصفه إجراء تقشف) أو النمو - أنه إجراء مبالغ وخادع. من المهم إعادة التوازن للاقتصاد للتأثير على النمو، وهذا ما يحدث الآن هنا. وللأسف، يرى البعض أن هناك حلا سحريا يمكن أن يقضي على أية مشكلة بشكل فوري: لو كان مثل هذا الحل موجودا بالفعل، لكان من الممكن طرحه منذ فترة طويلة. إذن، لنلق نظرة على بعض الجوانب التي تسير بصورة أفضل.

إن هدف إعادة التوازن المالي الذي تبذل بريطانيا قصارى جهدها من أجل تحقيقه قد تسبب في انخفاض أسعار الفائدة وأسعار الاقتراض. فضلا عن ذلك، فإنه يحقق ثقة السوق في الاقتصاد البريطاني، وينظر إليه على أنه نموذج على أسلوب إدارة أفضل للنظام المالي بأكمله. وفي حين ما زال الساسة والاقتصاديون يتجادلون حول الطريقة التي يمكن أن يحققوا من خلالها هذا الهدف والإجراءات التي يتعين عليهم اتباعها، فإن السبيل الحقيقي الوحيد الممكن هو الاستثمار.

على أحد المستويات، كانت أحدث أرقام للتجارة البريطانية مشجعة. وسجلت الصادرات لدول خارج الاتحاد الأوروبي رقما قياسيا مرتفعا، مع بدء الشركات البريطانية في اختراق بعض أسرع الأسواق نموا في العالم. لقد هبطت حصة الصادرات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي لتصل إلى نسبة تزيد بقليل على 45 في المائة، وهي أدنى نسبة لها منذ أن بدأت السجلات الحديثة في عام 1988.

والآن، أتحول إلى اتحاد أصحاب الشركات الهندسية البريطانية بحثا عن بعض البيانات. يعتبر التصنيع في بريطانيا بالفعل قطاعا يتطلع للخارج، الذي يمثل نحو نصف إجمالي صادرات بريطانيا. غير أن الفترة المتبقية من عام 2012 من المرجح أن تكون عصيبة. إن سوق التصدير الرئيسية لإنجلترا ما زالت هي أوروبا، وتشير التوقعات إلى انكماش مستمر في منطقة اليورو العام المقبل.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المصنعين البريطانيين عكفوا على زيادة حجم صادراتهم في الأسواق الناشئة سريعة النمو.

وعلى الرغم من أن 7 في المائة من صادرات السلع البريطانية تذهب لاقتصادات مجموعة الدول ذات الاقتصادات الصاعدة «بريكس»، فإن قيمة الصادرات لهذه الدول قد زادت بنسبة 150 في المائة خلال الأعوام الخمسة الماضية، على الرغم من الأزمة المالية.

تذهب قرابة 15 في المائة من صادرات السيارات إلى اقتصادات مجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين) وتؤدي زيادة العمل في هذه الأسواق إلى تحقيق أرباح؛ وليس من قبيل المصادفة أن هذا يعتبر واحدا من أقوى القطاعات أداء.

في هذا الشهر، أعلنت شركة «جنرال موتورز» عن قرارها بتصنيع الجيل التالي من سيارة صالون صغيرة «أسترا» في بريطانيا، تاركة مصنعها في بوخوم بألمانيا مهددا بالإغلاق، حيث تقوم بتجديد نشاطها التجاري لتواجه أكثر من عقد من الخسائر في أوروبا. وذكرت شركة صناعة السيارات الأميركية أنها ستستثمر 200 مليون دولار (126 مليون جنيه إسترليني) في مصنع الزمير التابع لها الكائن في شمال غربي إنجلترا لتصنيع السيارة بعد أن وافق العاملون في الموقع بالإجماع على إبرام اتفاق سداد جديد. وقالت شركة «جنرال موتورز» إن المصنع القديم الذي يعود إلى 50 عاما مضت أصبح المنتج الأساسي للسيارة «أسترا» ذات الخمسة أبواب، المقرر طرحها في عام 2015، على نحو يوفر 700.000 وظيفة في الموقع و3000 وظيفة أخرى في سلسلة الإمداد ويؤمن مستقبل المصنع حتى عام 2020 على الأقل.

يعتبر هذا رابع تحفيز للوظائف مؤخرا في قطاع صناعة السيارات البريطاني بعد أن أعلنت شركة السيارات اليابانية العملاقة «نيسان» عن خططها لتشكيل نموذج جديد في بريطانيا في إطار برنامج استثمار رأسماله 125 مليون جنيه إسترليني، على نحو يوفر 2000 وظيفة. وقال نيل بينتلي، نائب المدير العام لاتحاد الصناعة البريطانية: «هذا دليل إضافي على إعادة التوازن عبر أنحاء الاقتصاد، حيث تظهر آخر أرقام للتجارة البريطانية توجيه مستويات قياسية من الصادرات خارج الاتحاد الأوروبي».

في مارس (آذار) الماضي، أكدت شركة صناعة سيارات أخرى، هي «جاكوار لاند روفر»، أنها تضيف 1000 وظيفة جديدة إلى مصنعها في هوليوود؛ وهو ما يعتبر خبرا سارا بالنسبة لقطاع السيارات في بريطانيا. ويأتي هذا القرار على رأس الألف وظيفة التي تم الإعلان عنها مؤخرا في مصنع سوليهال الخاص بـ«جاكوار لاند روفر» وتم الاحتفاء بها بوصفها حافزا جيدا للاقتصاد.

تقاوم صناعة السيارات البريطانية اتجاه هبوط قطاع التصنيع. ويعتبر هذا دليلا على أنه من خلال الاستثمار والدعم الجيدين، يمكن أن يمثل التصنيع البريطاني قصة نجاح.

غير أنه لا تتوفر فرص فقط في اقتصادات دول «البريك». على سبيل المثال، زادت الصادرات للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة تزيد على 25 في المائة خلال السنوات الخمس الماضية. وتمثل الصادرات لتلك المنطقة الآن نحو 5.4 في المائة من إجمالي الصادرات البريطانية. وتضم القطاعات التي تتعامل بشكل خاص مع هذه الأسواق الطيران، الذي ذهبت نسبة 11 في المائة من إجمالي صادراته إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2011، مدفوعة بطلب من شركات الطيران الجديدة في الشرق الأوسط. ويعتبر موقفا قويا بالنسبة لقطاع الطيران المدني أن يكون من المسلم به أنه في الفترة ما بين 2010 و2020، يتوقع أن يمثل الشرق الأوسط نسبة 14 في المائة من إجمالي الطلبات على الطيران المدني.

لقد وقعت الشركة العملاقة في مجال الدفاع «بي إيه إي سيستمز» عقدا قيمته 1.6 مليار جنيه إسترليني لتزويد السعودية بطائرات «هوك». وقالت الشركة إن الاتفاق يضم الإمداد بخمس وخمسين طائرة «55 بيلاتوس بي سي - 21» و22 طائرة تدريب «هوك» متقدمة، إضافة إلى قطع غيار ودعم فني.

لكن القيام بالمزيد لن يحدث من تلقاء نفسه. فهو يلزم الحكومة بدعمه وتوجيه قدر كبير من الاهتمام لسلسلة الإمداد - نظام التصنيع - وأيضا لتصريحات الاستثمار الداخلية الجذابة. وسيكون التأثير جيدا على الوظائف والصادرات، لكن، على نحو حاسم، ستتحقق مزايا اجتماعية وسياسية أيضا.

مع حدوث التضخم بشكل سريع في الشرق، تدرس الشركات الصناعية الصغيرة تحويل الإنتاج من أقصى الشرق إلى إنجلترا لادخار المال وتوفير خدمة أفضل للمستهلكين، بحسب خبراء في القطاع. هذا، وكشفت دراسة شملت أكثر من 700 شركة صناعية صغيرة ومتوسطة الحجم بمختلف أنحاء العالم عن أن تلك الشركات كانت تكافح من أجل تلبية توقعات المستهلك بسبب تعقيد عملية إدارة سلاسل الإمداد العالمية. وجعلت هذه الشركات تحسين الخدمة المقدمة للمستهلكين أولى أولوياتها بوصفها أهم تحد استراتيجي يواجهها، فيما حلت زيادة الاستعانة بمصادر من دول أقل تكلفة آخر أولية بين 12 أولوية لتلك الشركات.

ربما يكون هذا النهج المستقبلي جيدا بالنسبة لهؤلاء الذين يختارون الاتجاه الصائب وخفض العجز المالي، تماما مثل تشجيع التصنيع والتصدير. وتعتبر الفائدة المقارنة أداة جوهرية في إعادة التوازن للاقتصادات. يبدو المستقبل مشرقا بالنسبة لهؤلاء الذين يتطلعون إلى المدى البعيد ويتخذون قرارات صائبة.. هؤلاء الذين يحافظون على الاندماج المالي ونمو الدعم. للأسف، قد ينطبق النقيض على هؤلاء الذين لا يفعلون ذلك. فعليك باتخاذ قرارات سديدة!

* أستاذ زائر بكلية إدارة الأعمال بجامعة لندن متروبوليتان ورئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال»