الحولة.. والقوة!

TT

مذبحة مهولة كارثية مفجعة مؤلمة جديدة يقوم بتنفيذها عناصر نظام بشار الأسد في الحولة بريف حمص. المشاهد المروعة التي بثت تصور الضحايا العزل وقد قضي عليهم بدم بارد وأكثرهم نحر بالسكين. أكثر من 114 ضحية كانوا حصاد مذبحة الحولة، منهم 55 طفلا دون العاشرة من العمر. واقعة مذهلة وصادمة وأدمت القلوب وأبكت العيون، ولكنها صفحة جديدة سوداء في كتاب بائس يعكس الواقع الذي انتهجه نظام الأسد أبا عن جد في حكم سوريا وإذلال شعبها.

تأتي عملية الحولة بعد الحديث الكبير الذي تم تداوله بخصوص استهداف مجموعة من الجيش الحر لرموز من النظام الحاكم، وبغض النظر عن صحة القصة أو بطلانها، إلا أن هناك جوانب «سادية انتقامية» واضحة جدا في مشاهد مذبحة الحولة، يبدو أن الغرض منها هو إثارة الذعر والخوف والرعب في نفوس الناس من القدرة الدموية للنظام ضد الشعب حتى يحبط ويتوقف عن التظاهر ضد النظام (في ظل اطمئنان الأسد وزمرته من وجود الحد الأدنى من الدعم الحامي له من إيران والصين وروسيا).

ولكن هناك شيئا ما يحدث في روسيا الجديدة بين بوتين المنتخب حديثا وأوباما المقدم على انتخابات رئاسية مهمة في أميركا، فلقد سربت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية خبر وجود تفاهم وقبول أميركي وروسي على قبول رحيل بشار الأسد وزمرته المقربة من الحكم بسيناريو متقارب لما حدث مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وهي نقلة نوعية جادة في مفهوم مشترك بين الدولتين الأثقل في مجلس الأمن، وهي مسألة لمح إليها وزير الخارجية الروسي لافروف في مؤتمره الصحافي الذي عقده مع نظيره البريطاني هيغ، وقال فيه إنه ليس من المهم عنده من يحكم سوريا، ولكن المهم عنده هو أن يتوقف القتل بأي طريقة. وهذه هي المرة الأولى التي تلمح فيها روسيا بإمكانية الاستغناء عن بشار الأسد.

والنظام بمذبحته الأخيرة هذه لا يدري أنه صعّب المواجهة مع الشعب بشكل غير مسبوق، فها هي دمشق بكل تجارها تضرب بمحلاتها تضامنا مع الثورة ومع ضحايا مذبحة الحولة، وحلب تواصل انتفاضتها بلا توقف، وأكثر من موقع في العالم العربي يعلن تضامنه الصريح والواضح مع الجيش السوري الحر، وضرورة وأهمية تمويله ودعمه بكل الوسائل وبشكل سريع. كل الأنظمة ترتكب الخطايا فتدفع الثمن بسقوطها عن الكرسي، والأنظمة المستبدة الطاغية تسقط أخلاقيا قبل أن تسقط شرعيا وسياسيا، ولا يوجد في علم السياسة سقوط أخلاقي مهين ومقزز أكثر من الجريمة التي حدثت للأبرياء في الحولة.

اليوم لم يعد هناك مجال لانتظار قرار سياسي أممي أو فتوى شرعية أو رأي ثقافي للتحرك ضد نظام بشار الأسد، فهو يدمر نفسه ومصداقيته بنفسه، وما الصورة الذهنية التي تكرست وتأكدت ضده وضد نهجه ونظامه في السنة والنصف التي مضت منذ انطلاق الثورة السورية الكبرى ضده إلا تأكيد لأن الرجل قد انتهى، وها هو يغيب كرئيس للجمهورية السورية لأول مرة عن الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب الجديد الذي تم انتخابه مؤخرا في مهرجان كاريكاتيري هزلي.

ولم يتمكن من الحضور لإلقاء الخطاب الافتتاحي، كما هي العادة في هذه المناسبات، لأن العاصمة معقل النظام الرمزي لم تعد آمنة، ولم يعد بالإمكان تأمين الموكب وحضوره. هذه هي الحقائق الواقعية، أن سوريا باتت، وبحسب تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، مدن كثيرة منها خارج سيطرة النظام وقواته وأدواته، ويبدو أن العاصمة نفسها ستكون خارج سيطرة النظام عما قريب هي الأخرى. مذبحة الحولة ولدت غضبا عظيما ضد النظام، وإحساسا بالخجل من عدم دعم الثورة والثوار، وقد تكون نواة للتحرك الأخير المطلوب للخلاص منه. هوان الناس أمام مشهد الحولة الأليم سيولد قوة الخلاص.

[email protected]