ماذا بقي من «التحالف الكردي ـ الشيعي»؟

TT

لو أن كلمة «التحالف» أخذت بعدا سياسيا للتفاهمات الحزبية في العراق، فإن أصل التسمية ينطبق على الاتفاقات ذات الطابع العسكري في مراحل الحرب بأشكالها المتعددة. ومع أن «التحالف الكردي - الشيعي» لم يكن إلا تلاقي مصالح بين تيارات كردية وشيعية في مرحلة العمل المضاد للنظام السابق. فمن اللافت أن يطالب سياسيون رسميون شيعة من خارج كتلة الحكم الفعلية، بإعادة هذا التحالف، في وقت تبلور أفكار حزبية وسياسية وتفاهمات وفق معادلات جديدة ومصالح متغيرة. فماذا بقي من التحالفات؟

الحقيقة التي لا لبس فيها، هي أن التحالف على النحو المتداول كان مستفزا للعرب السنة، ويعني بمفهومه «المجرد» وضعهم بين حجري رحى. وهو ما لم يعد ممكنا تحقيقه، بحكم المعطيات الاستراتيجية، وبحكم المتغيرات الفكرية والمصالح الحزبية. فالبيت الشيعي، ومع تطور التخلص من عقدة الحكم السني، بدأ حراكه الداخلي يتأثر بالحاجة إلى الكتلة العربية السنية. وكلما زاد أفق الحراك وعمقه، ضعفت العلاقة الشيعية - الكردية.

وإذ يكون «التحالف» في زمن الطوارئ وحالات التصادم عاديا - إن لم نقل ضروريا - فإنه يصب في عكس الاتجاه الديمقراطي في حالات العمل السياسي المجرد. ويعتبر عملا من أعمال التآمر السلبي، عندما يكون على حساب مصالح شريحة من شرائح المجتمع أو مكون من مكوناته. وفي النتيجة فإنه يدفع إلى ردود فعل يصعب التحكم بنهاياتها.

الفريق الواقع خارج التحالف وجد نفسه ملزما بالمناورة القريبة والبعيدة، وقد تقود المناورة التكتيكية إلى مناورة استراتيجية تتخطى متطلبات المرحلة. ومن هنا تبدو الصورة مشوشة جدا في فهم القدرة على حلحلة المعضلات خطوة جدية واحدة إلى أمام. فالحراك على أشده، والاتهامات خرجت عن نطاق المألوف، إلا أن المتنافسين يدورون في دوائر مغلقة بلا منافذ.

الفكر الديمقراطي الصحيح هو الذي يبنى على أساس المعطيات والمتطلبات الحالية، لا أن يبقى أسير الماضي. مع أن حقيقة الماضي كانت شكلية وظرفية ومصلحية. والدليل على هذا التوصيف أن التفاهمات السابقة لم تصمد في مرحلة ما بعد التغيير، فالاحتكاك بين الكرد وعرب الجوار بقي منصبا على المناطق المختلف عليها، بينما كان التصادم بين الشيعة والكرد أكثر حساسية وبعدا. فالتصادم مع مسؤول ملف الطاقة مثلا، هو الأشد على الإطلاق من أي طرف آخر. وهذا يثبت أن مصطلح «التحالف الكردي - الشيعي» لم يكن إلا نقطة التقاء في مرحلة محددة، لا يجد كثير من المسؤولين الحاليين من الشيعة أنفسهم ملزمين به، لأنهم لم يكونوا على صلة به.

وفي مفاوضات 1991 بين الجبهة الكردستانية وقيادة النظام السابق، كان الرئيس الطالباني أكثر من يتحدث عن كركوك، على الأقل في الجلسات التي كنت أحضرها، وبعد عام 2003 كانت لغته مع قيادات كردية تتسم بالتريث والصبر والتحليل المنطقي. وفي حقيقة الحال، فإن الفرق بين حكومات ما قبل 2003 والحكم الحالي، تجاه كركوك، تختلف بالوسائل والمعطيات وطرق المعالجة، وليس بالمنطلقات الأساسية، وهذا ما أثبتته الأزمة الحالية.

كنت أشك (والذين يعملون في المجالات الخاصة يميلون دائما إلى ترجيح كفة الشك، عندما تقترب المعادلات من بعضها) أن يكون الشيعة على استعداد للتخلي عن كركوك لمصلحة الكرد وجعلهم يتصادمون مع عرب الجوار، والتفرغ للسيطرة على بقية العراق. وهو ما كان يقوله بعض السياسيين من الشيعة للكرد. لكن الوقائع أظهرت أن هامش الخلاف السني - الشيعي محدود للغاية حيال المناطق المختلف عليها، والدليل على ذلك أن جوهر المادة 140 بقي حبرا على ورق. ومن هنا يلاحظ حدوث تخلخل في نهايات الكتل والقوائم الشيعية والسنية، وبدء عملية تشابك آخر.

ومن يتابع الموقف بدقة يجد أن الأطراف الشيعية التي تطالب بإعادة «التحالف الكردي - الشيعي» باتت مهمشة؛ فالخلافات بلغت بين أطراف محددة مرحلة التلويح بالقوة، أو هكذا فهم الطرف الآخر التحركات. ويقينا أن التحالف لم يتبق له حتى ذكريات أطلال مقار التعاون والتنسيق، ومن غير الممكن إعادة تكوين تحالف، لأن مفهوم التهديد السني قد تضاءل كثيرا، ولو إلى أجل غير منظور، أو نهائيا لصالح معادلات منطقية. ويمكن القول إن «التحالف الكردي – الشيعي» قد تخطاه الزمن، ولم يعد من خيار غير البحث عن مفاهيم أخرى.