ضوضاء المكاتب المزعجة

TT

حاول مجموعة من الباحثين في جامعة براون أن يدرسوا تأثير الضوضاء في العمل وخارجه على إنتاجية الناس، فجاءوا بمجموعة من المتطوعات ووضعوا في أفواههن قطعة صغيرة لمنعهن من التحدث، في أثناء ساعات الدوام الرسمي وفي المنزل، فتوصلوا بعد عامين من الدراسة إلى أن النساء أنجزن مهامهن الوظيفية بنسبة 58 في المائة أكثر من المعتاد، وبنسبة 35 في المائة لأعمالهن المنزلية، مقارنة بالنساء المشاركات اللاتي لم يرتدين هذه القطعة الفمية، حسب ما نشرت مجلة «نيو إنغلاند» الطبية. ليس هذا فحسب، بل المفارقة هي أنه حتى الموظفات اللاتي لم يشاركن في الدراسة ارتفعت إنتاجيتهن في العمل بنسبة 85 في المائة، ربما بسبب الأجواء الهادئة المحفزة للإنتاج!

يظن كثير من المسؤولين أن تكديس أكبر عدد ممكن من الموظفين في المكاتب المفتوحة، ذات القواطع القصيرة المتلاصقة يوفر عليهم أموالا، لكنهم لا ينتبهون إلى أن هذه المكاتب صارت جلسات أو ديوانيات مفتوحة تهدد إنتاجية الموظفين وتقطع عليهم حبل أفكارهم وتركيزهم، بسبب كمية الإزعاج التي ترهق آذان الناس طوال ساعات النهار.

وقد توصل علماء آخرون في جامعة هونغ كونع بولي إثلك إلى أن نحو ثلث المشاركين في الدراسة تسبب لهم ضوضاء المكاتب المزعجة التشتيت الذهني. ولوحظ أيضا أن من يعملون في مكاتب مغلقة لا ينزعجون من الأصوات الخارجية المعتادة، بل تحديدا من أصوات الموظفين المنبعثة من المكاتب المفتوحة.

وعندما سئل المشاركون عن أكثر الأسباب التي تسبب لهم التشتيت في التركيز جاءت في المقدمة «النقاشات بين الموظفين بصوت مرتفع» بنسبة 30 في المائة، و«رنين الهاتف حينما لا يجيبه أحد» بنسبة 22 في المائة، والصوت المنبعث من المكتب المجاور بنسبة 16 في المائة.

ويعد التحدث بصوت مرتفع في العمل من المشكلات التي لا تؤثر على الموظف فحسب بل على المحيطين به. ولذا، فإن تصميم بيئات عمل هادئة تعد مهمة المسؤولين الذين يجب ألا تحكمهم المزاجية في تقسيم المكاتب على حساب الإنتاجية، كأن يحرص المدير فقط على موقع مكتبه ضاربا في عرض الحائط ثلاثة أرباع موظفي الإدارة الذين يشكلون المطبخ الحقيقي للإنتاج. ومن ناحية أخرى، يقع على عاتق الموظف نفسه مسؤولية التحدث بصوت خفيض لأن ذلك يعكس مهنيته وأدبه واحترامه للآخرين.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]