بين العجم والروم.. بلوى ابتلينا

TT

تلقيت صفعات كثيرة في حياتي، ولكنني لم أتلق صفعة كالتي كالها لي السيد حيدر الهلالي في تصوره بأنني أومن بخرافة الطوب أبو خزامة أو أصدق من آمن بها، كلا، ولا الصفعة التي تلقيتها من الفاضلة ليلى مراد بأنني انزلقت في الطائفية.

بيد أن الصفعة الكبرى التي تلقيناها جميعا سددتها لنا الأيام في هذا الموضوع وجعلت قومنا ينظرون لكل شيء حتى ولو كان أكلة آيس كريم بأنه ينطلق من الطائفية. ولم لا؟ فربما نجد أن الفقهاء قد اختلفوا فيه واعتبروه بدعة وكل بدعة في النار. إنني بدأت مقالتي بالقول إن «للخرافة جمالها وروعتها». ورحت أسوق كلامي كنزهة في عالم الخرافات وما يؤمن به بسطاء الناس. من الناحية الدينية: الإيمان بذلك المدفع وبركاته كفر؛ لأنه وثنية ينهى عنها الإسلام.

أما ما ذكرته من أحداث تاريخية فقد استقيته من باحث شيعي، الدكتور علي الوردي. الذي أفاد بأن الشاه عباس حاصر بغداد في 1623 مما اضطر أهلها لأكل القطط والأطفال. وعندما فتحها أمر بنبش قبر أبي حنيفة وقبر الكيلاني، ثم قام بمذبحة في السنة، وأعد قوائم بأسمائهم جميعا لذبحهم لولا تدخل عالم شيعي، كليدار الحسين، الذي استطاع أن يكف يده عنهم. وهذا مؤشر جميل على مدى التآلف والتآخي الذي كان سائدا بين الطوائف العراقية. فحتى التبرك بطوب أبو خزامة لم يكن قاصرا على نساء السنة، بل كانت الأمهات الشيعيات أيضا يجلبن أولادهن للتبرك به.

لم يورد هذا الباحث المتوازن أن العثمانيين قاموا بمثل ذلك فذبحوا الشيعة أو دنسوا مراقد أئمتهم. والآن ستتهمني القارئة الفاضلة مرة ثانية بالطائفية لأنني نزهت العثمانيين من قذارات الصفويين.

يعرف كل من يقرأني أنني اعتبر العثمانيين مسؤولين عن جل هذه المصائب والمشكلات التي خلقوها وخلفوها في العراق. وكان حكمهم أسوأ حكم مر به هذا البلد المسكين.

كيف يمكن لأي إنسان عاقل أن يفضل ويفرق بين حكم دولتين أجنبيتين متخلفتين؟ الحكم الأجنبي الوحيد الذي أفضله حتى على الحكم الوطني هو حكم الإنجليز، عملا بالقاعدة الفقهية «الكافر العادل خير من المسلم الظالم». ولا أنفك عن اتهام الإنجليز بهذه الجريمة الكبرى، وهي أنهم أعطوا العراق استقلاله قبل الأوان.

إن من مآسي هذا الشعب العراقي هو أنهم ثاروا وطردوا هيمنة دولة أجنبية متطورة علمانية ديمقراطية، أم البرلمانات، وجاءوا بدلا منها بهيمنة حكومة أجنبية متخلفة خرافية ثيوقراطية، أم الخزعبلات، مما انتهوا إليه الآن. هل من حماقة أكبر من ذلك؟ كان زعماء العراق ورجالاته يذهبون للندن وباريس وغيرهما من المراكز الحضارية، والآن تراهم يذهبون إلى قم للاستشارة؟ يا سبحان الله! «وين يوصل طيحان الحظ؟!»، كما يقول المثل.

وهذا ما يقوله القارئ أحمد بربر، فيعرب عن عجبه في أن تصبح شؤون العراق رهن أفكار الفقهاء من آيات الله، وينعي محمد أحمد محمد، من مصر، زوال السيطرة الأميركية واستبدال السيطرة الإيرانية بها. يا سادتي ليس لنا غير أن نتضرع لله لأن يهدي رجال العراق لرشدهم ويتذكروا عروبتهم.