هل سقطت الثورة في لغة النظام؟

TT

تضاعف خلال السنة الماضية عدد صداقاتي السورية على موقع «فيس بوك».

معظمهم لا أعرفهم شخصيا، لكن مثلت الثورة السورية بزخمها وشخصياتها وحراكها ومآسيها مادة للقاء مع شبان وشابات وكتاب وفنانين وأشخاص لا يسنح لنا كثيرا، بسبب تعقيدات الوضع السوري واللبناني، الالتقاء بهم مباشرة، فكانت تلك الجدران الخاصة بالآراء والصور والتعليقات مساحة للتعارف والنقاش والتشارك أو التعارض في الموقف والرأي. أتاحت لي جدران أصدقائي أن أتابع نقاشات سورية - سورية حول الثورة. هذه النقاشات تكاد أحيانا أن تنضح دموعا وصراخا ودما، وفي أحيان أخرى تكاد تنفجر ضحكا وسخرية.

أتاحت تلك الجدران لي ولكثيرين غيري الاقتراب من نبض أبناء الثورة وبناتها ممن هم في داخل سوريا ومن هم خارجها.

بعد كل مجزرة أو قصف أو اعتقال أو شريط تعذيب كانت جدران الأصدقاء السوريين تمتلئ بنقاشات حامية بدأت خجولة أو محافظة في مقاربتها في الأسابيع الأولى من اندلاع الثورة، لكنها تزايدت حدة مع تصاعد عنف النظام وبطشه.

«أنا ما عم قول هيك لأني سني».. «العلوية ما إلهن دخل».. «على الطايفة أن تختار».. «شو يا ست (س) هلأ تذكرتي إنك..». «إنتو شركاء بالجرائم وعليكم تحمل النتائج»..

يوما بعد يوم، خيم على نقاشات الأصدقاء السوريين جو ثقيل مشبع بالشك والنفور والخوف من الآخر.

هذا أمر يمكن فهمه ربما، فما يجري في سوريا هو خارج كل عقل ومنطق وضمير، وما حدث في «الحولة» فظاعة لا شيء أقوى منها ومن وضوحها وصراحتها، بحيث صار القول علنيا: هجم شبيحة من «العلوية» على عائلات «سنية» وأبادوها عن بكرة أبيها، وأفظع ما ارتكبوه هو قتل وتشويه الأطفال..

هل هناك صراحة ووضوح في استدراج النزاع الأهلي أكثر من ذلك..

إنها صراحة فعلها النظام فعلا وسوق لها وتبناها للأسف مجموعات واسعة من نخب سورية.

فعلا، استدرج كثر وصارت صفحات «فيس بوك» ساحة تبادل مواقف عنفية طائفية بامتياز انجرف إليها من يفترض أن لا ينساق بسهولة إلى هذا الدرك من السباب والانقسام. صحيح أنه غضب وغضب مشتعل دما ونارا وطفولة مذبوحة ولكن..

إن الهمجية المروعة التي شهدناها في الحولة وحماه، وقبلا في كرم الزيتون، وعلى الرغم من كل فظاعتها لا تسوغ إطلاقا هذا الخطاب، خصوصا أننا نتكلم عن شرائح مدينية عالية ومتوسطة الثقافة والتعليم..

بدأت صداقات متينة تهتز، وساد شرخ كبير العلاقات بين من يفترض أنهم جميعا ضحايا هذا النظام وضحايا هذه اللغة التي يجمع الكل في سوريا على أنها لغة النظام، وأن الثورة قامت رفضا لها.

قد يكون الشارع السوري قد شهد أحداثا فردية طائفية إلى جانب ممارسة ممنهجة عمد ويعمد إليها النظام، لكن هناك شيئا بدأ يتسلل إلى اللغة والثقافة والعلاقات، وتكاد تسود مماهاة بين الدين والسياسة لدى بعض الناشطين والمثقفين.. تمذهبت الشعارات واللغة، ووقع في فخ هذه المذهبة من يفترض بهم التصدي لها ومجابهتها.

diana@ asharqalawsat.com