عمليات البحث عن بن لادن.. خطر على الصحة العالمية

TT

من الناحية الاستخباراتية، تعتبر عملية البحث عن بن لادن عملية عبقرية للغاية، حيث تم استئجار طبيب باكستاني لتجميع بعض عينات الدم التي يمكن من خلالها تحديد مكان أسرة بن لادن، تحت غطاء برنامج تطعيم، أما من الناحية الأخلاقية، فالأمر يبدو مختلفا.

تسببت حملة التطعيم التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تعريض سلامة برامج الصحة العامة في باكستان وغيرها من البلدان حول العالم للخطر الكبير، وزادت من المخاطر التي تواجه المنظمات غير الحكومية في عالم يتزايد فيه العداء لمنظمات المعونة التابعة للولايات المتحدة.

أبدى الرأي العام الأميركي اهتماما كبيرا بالمآزق التي يتعرض لها الدكتور شكيل أفريدي، الطبيب الباكستاني الذي ساعد وكالة الاستخبارات المركزية من خلال القيام بحملة تطعيم في المناطق القبلية والإقليم المجاور الذي كان يختبأ فيه بن لادن، حيث تم الحكم على هذا الطبيب في الأسبوع الماضي بالسجن لمدة 33 عاما بتهمة الخيانة العظمى، مما أثار بعض الاحتجاجات العنيفة من جانب وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.

لا ينبغي للمسؤولين الأميركيين التعاطي مع قضية أفريدي على أنها مجرد سلوك مثير للغضب قامت به باكستان، فالمسؤولون الأميركيون على حق بأن ما قام به أفريدي لا يعتبر خيانة، حيث إنه كان يسعى للحصول على معلومات حول قادة التنظيمات الإرهابية الذين يعتبرون أعداء لباكستان أيضا. أتمنى أن يتم إطلاق سراح أفريدي، ولكن ينبغي له ولمساعديه، على أي حال، تحمل العواقب الأخلاقية لأفعالهم.

الحقيقة المؤلمة هي أن بعض الناس قد يلقون حتفهم بسبب عدم الحصول على التطعيم، مما يثير الشكوك من أن تكون حملات التطعيم جزءا من المؤامرات التي تحيكها وكالة الاستخبارات المركزية. تتزايد معدلات الإصابة بشلل الأطفال في باكستان وأفغانستان ونيجيريا، وهو ما يعود بصورة جزئية إلى إيمان الناس بنظرية المؤامرة في مجال التطعيم. يحذر تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية مؤخرا من أنه في حالة عدم القدرة على وقف انتشار مرض شلل الأطفال في هذه البلدان، «سوف تفشل المساعي الرامية للقضاء على شلل الأطفال».

تعد منظمة «أنقذوا الأطفال»، وهي أكبر وكالة للمساعدات الخارجية في باكستان، إحدى الجهات المتورطة في هذه القضية، حيث أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن أفريدي قد أخبر السلطات الباكستانية أن أول اتصال له مع وكالة الاستخبارات المركزية كان من خلال منظمة «أنقذوا الأطفال»، وهو الادعاء الذي تنكره المنظمة. أضافت الصحيفة أنه بعد إلقاء القبض على أفريدي في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، قامت الاستخبارات الباكستانية بمراقبة العاملين في منظمة «أنقذوا الأطفال»، فضلا عن وقف شحنات الإمدادات الطبية الخاصة بها على طول الحدود، بينما صرح المتحدث الرسمي للمنظمة يوم الثلاثاء الماضي بأن منظمته لم تواجه أية مشاكل في الأشهر القليلة الماضية.

وفي خطاب أرسله إلى ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في يوم 21 فبراير (شباط)، أشار صامويل ورثينغتون، رئيس تحالف يضم 200 منظمة غير حكومية تعمل بالخارج، إلى المخاطر المحتملة التي يعترض لها العاملون في قطاع الصحة، حيث قال: «بعد أن تم الكشف عن التقارير الخاصة بحملة التطعيم التي قادتها وكالة الاستخبارات المركزية في الصيف الماضي، لاحظ تناقصا مستمرا في قدرة المنظمات غير الحكومية التابعة للولايات المتحدة على تنفيذ البرامج الإنسانية الحرجة في باكستان، فضلا عن زيادة طفيفة في أعمال العنف الموجهة ضد العاملين في المجال الإنساني. أخشى أن تكون الأنشطة التي تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية في باكستان والاعتقاد بتورط المنظمات الأميركية غير الحكومية في هذه الأنشطة الاستخباراتية - قد ساهمت في حدوث هذه التطورات المثيرة للقلق». وعند سؤاله عن هذا المقال، قال برستون غولسون، الناطق باسم وكالة الاستخبارات المركزية، إنه لا يمكنه التعليق على «أي نشاط مخابراتي محتمل»، ولكنه أضاف: «استمعت الوكالة إلى وجهات نظر مجتمع المنظمات غير الحكومية واجتمعت مع ممثلي هذه المنظمات لمناقشة مخاوفهم بصورة كاملة وصريحة».

تعد قضية أفريدي مثالا لما تطلق عليه وكالة الاستخبارات المركزية «التغطية على العملية»، حيث كان الطبيب يدير برنامج تطعيم حقيقيا، وهو ما وفر له السبب لزيارة المناطق التي يختبأ فيها عناصر تنظيم القاعدة. يقول مسؤول أميركي بارز: «طلبنا من الدكتور أفريدي الاستمرار في برنامجه فقط.. لقد كانت اللقاحات حقيقية، ولم يتسبب قط في إلحاق الضرر بأي شخص خلال هذه الحملة».

وعلى الرغم من أنه لم يحصل مطلقا على عينة الحمض النووي الخاصة ببن لادن، أشار أفريدي - من دون قصد - إلى أن الساعي الموجود في المجمع السكني في مدينة أبوت آباد يقوم بممارسة احتياطيات أمنية غير طبيعية، وهي المعلومة التي كانت شديدة الأهمية لوكالة الاستخبارات. وعقب مقتل بن لادن، تم عرض عدة خيارات على الطبيب حول مغادرته لباكستان مع عائلته، ولكنه رفض كل هذه الخيارات وقرر البقاء في باكستان، وفقا للمسؤول الأميركي.

وفي تعليق تم نشره يوم الأحد على الموقع الإلكتروني لصحيفة «الغارديان»، قالت هيدي لارسون، باحثة في شؤون الصحة العامة في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: «كان ينبغي أن تكون هناك طريقة أفضل وأكثر أخلاقية، حيث ألحقت هذه العملية ضررا كبيرا بثقة الناس باللقاحات».

وبحكم تعريفها، تعمل العمليات الاستخباراتية في منطقة رمادية، تكون فيها القواعد القانونية والأخلاقية العادية غير واضحة، ولكن هذه الحالة تدفعني إلى التساؤل عما قد سيحدث في حال خروج الأساليب التي تستخدمها أجهزة الاستخبارات، مثل استغلال العاملين في قطاع الصحة في الخارج، عن الحدود المسموح بها. ففي حال فشل هذه العمليات، سوف يترتب على ذلك عواقب وخيمة، بصورة غير مقصودة، على الأشخاص الأبرياء.

* خدمة «واشنطن بوست»