الدجاجة الكردية لم تعد تبيض ذهبا!

TT

كان أقصى أماني الأحزاب والقوى السياسية السنية في العراق أن ترى عرى التعاون والتحالف الاستراتيجي الكبير بين الأكراد والشيعة قد انفصمت وتفككت العلاقة السياسية التي ترسخت بينهما وتطورت بعد تأسيس النظام «الديمقراطي» الجديد عام 2003، وطالما حاولت هذه القوى والأحزاب التأثير على هذه العلاقة ودق الإسفين بينهما، ولكنها كانت تخفق وتفشل دائما وتجابه بمزيد من التعاون المشترك، وإزاء حالة التوافق الصلب بين الجانبين أو هكذا كانت تبدو وتظهر لأعين المراقبين السياسيين على الأقل في السنوات الأولى من تشكيلة الحكومة الجديدة، أصيبت الأطراف السنية بإحباط شديد وانعكس ذلك على حركتها في الساحة السياسية العراقية ولم تكن تتصور أبدا أن يأتي يوم تصاب فيه تلك العلاقة الاستراتيجية بين المتحالفين الكردي والوطني الشيعي بشرخ قد يفضي إلى انهيار تام - وقد ظهرت بوادره - تلك العلاقة التي كانت تضرب بها الأمثال في متانتها وقوتها، لكنها في الحقيقة لم تكن كذلك، بل كانت علاقة «هشة» وغير متوازنة ولم تكن مبنية على أساس من الصدق والصراحة والعزم في التطبيق، بل بنيت على العواطف الجياشة والوعود الكلامية الفارغة والشعارات «الوطنية» الزائفة.

إن كانت تجاوزات التحالف الوطني ودولة القانون بالأخص تجاه تطبيق الدستور والشراكة الوطنية والاتفاقات السياسية المبرمة قد قوبلت بصمت كردي طويل مما تسبب في تعميق أزمة القائمة العراقية السنية ومعاناتها وإلحاق الأذى بالعملية السياسية في العراق بشكل عام، فإن مواقف بعض قيادات القائمة العراقية العدوانية وبعض الأطراف السنية السياسية المتصلبة المعادية للتوجهات الكردية قد أسهمت إسهاما مباشرا في اتخاذ الأكراد لهذه المواقف السلبية، فلو مدت القائمة العراقية ومعها القوى السنية العربية يدها إليهم وأقرت بـ«بعض» حقوقهم القومية المشروعة التي ناضلوا من أجلها لمدة طويلة وعملت على إزالة آثار التعريب في مدنهم وساعدت على إرجاع الحق إلى أصحابه الشرعيين ولم تتبن شعارات النظام الشوفيني السابق المعادية للشعب الكردي، لما اضطر زعماء الأكراد إلى الركض وراء السراب الشيعي كل هذه الفترة. ومما يؤسف له أن «بعض» المنضوين في القائمة العراقية وبعض الأحزاب المحسوبة على الإسلام السني ما زالت مصرة على مواقفها العنصرية القديمة على الرغم من تلقيهم إشارات حسن نية من جانب الكرد تدعوها إلى التصالح والتوافق، وتحثها على تغيير سياساتها تجاه إقليم كردستان.

ومن أكبر وأقوى هذه الإشارات توفير الملاذ الآمن لأبرز زعمائها وهو نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، وعدم تسليمه إلى الحكومة المركزية لمحاكمته بتهمة الإرهاب، وتحمل الإقليم من جراء ذلك تبعات سياسية واقتصادية كبيرة، كان من المفروض على هذه الأحزاب والقوائم العراقية السنية أن تقدر هذا الموقف المبدئي النبيل وتبادل الإشارة بإشارة مماثلة وترحب بالتعاون السياسي مع الأكراد، ولكن بدلا من أن تفعل ذلك وتثوب إلى رشدها أوغلت «بعضها» أكثر في حقدها القديم وآثرت الاصطفاف مع الحكومة ضد قادة الإقليم، بعضها في مدينة «الموصل» طالب بإخراج الجنود النظامية للإقليم «البيشمركة» من المدينة مع أن ثلث سكانها من الأكراد، والبعض الآخر في محافظة «كركوك» استنكر مؤتمر التجمع العربي المنعقد في العاصمة أربيل للدفاع عن القضية الكردية، وما زال الأكراد الساكنين في المدن المتنازع عليها مثل ديالي وصلاح الدين يتلقون تهديدات بالقتل أو الرحيل من قبل بعض هذه الأحزاب السنية.

لا شك أن الأكراد بحاجة إلى تحالف جديد بعد أن خرجوا - أو هم في طريقهم إلى الخروج - من تحالف بغيض أثقل كاهلهم ولم يحقق لهم أي هدف من الأهداف القومية، ولم يعودوا تلك الدجاجة التي كانت تبيض ذهبا للحليف الشيعي. والقائمة العراقية أو الأحزاب السنية أيضا بحاجة إلى تحالف قوي لمواجهة سياسة التجاهل والإقصاء التي يتعرضون لها منذ سنوات، وهذا التحالف لا يمكن تحقيقه من دون المصالحة والمصارحة ونبذ سياسة رفض المقابل، فهل يتحقق تحالف من هذا النوع بين طرفين لهما تاريخ حافل بالصراعات السياسية والعقد العرقية؟