غلطة الشاطر بألف!

TT

رغم تزايد عدد الأصوات التي تردد أن ما جرى قبل 6 أشهر في أولودرة على الحدود التركية - العراقية يعكس أن الحكومة وقعت في ورطة، وأنها للخروج من مأزقها هذا تحتاج إلى قفزة كبيرة تحملها إلى الأمام دون التسبب في تفجير أزمة أكبر مع المعارضة والمطالبين بالكشف عن ملابسات ما جرى، فإن حكومة العدالة والتنمية وعلى العكس من ذلك تتورط يوما بعد آخر في تفاصيل جانبية حول الموضوع وتتركه دائما فوق صفيح ساخن وبركان بارود جاهز للانفجار في كل لحظة. فرغم الجهود التي يبذلها المدعي العام التركي الذي وضع يده على القضية والتعويضات المادية التي قدمت إلى ذوي الضحايا، فإن ارتدادات هذه الحادثة ما زالت تتفاعل في تركيا بعد دخول قوي لأردوغان وكبار أعوانه على ملف القضية وبشكل مختلف هذه المرة للرد على ادعاءات المعارضة بأن هناك محاولات للفلفة القضية وتركها لحل مرور الزمن.

أقلام كثيرة تقول إن أردوغان المشهود له ببراعته في توجيه السياسة الداخلية والسجالات اليومية بالاتجاه الذي يريد لم يكن بارعا هذه المرة في محاولة تغيير مجرى النقاش، بل هو أقحم نفسه في تفاصيل ستتركه في مواجهة عاصفة سياسية وإعلامية واجتماعية ستكون عملية الخروج منها مكلفة وصعبة.

أردوغان كان يريد - كما فهمنا - تحويل الأنظار عن حادثة أولودرة المجاورة للحدود العراقية التي فقدت فيها العشائر الكردية في أواخر العام الماضي 35 شابا من أبنائها، سقطوا جميعا في غارة جوية نفذتها الطائرات الحربية التركية، وهي تعتقد أنها تستهدف مجموعات تابعة لحزب العمال الكردستاني، فبدأ يتحدث عن معارضته للإجهاض والولادة القيصرية، ووصفه (الإجهاض) بالجريمة، وأنه لا فرق إن قتلتم الطفل في أحشاء أمه أو قتلتموه بعد ولادته، وانتقاده لوسائل الإعلام التي لا تفتأ تذكر بحادثة أولودرة، مطالبا إياها بتنوير الأمهات والمواطنين في موضوع إجهاض الأطفال والولادات القيصرية التي تسبب أضرارا أكثر بكثير من أولودرة.

نحن نعرف أن رئيس الوزراء التركي أردوغان:

- كان يحاول الرد على مزاعم نقلتها صحيفة «وول ستريت جورنال» حول أن المعلومات المتعلقة بالمهربين قدمتها طائرات الاستطلاع الأميركية، مما أغضب القيادات التركية ودفعها لنفي هذا الخبر على أعلى المستويات.

- وأنه كان يحاول تخفيف الضغوط على وزير داخليته نعيم شاهين الذي قال إن المدنيين الذين قتلوا على الحدود كانوا يقومون بعمليات تهريب، وإنهم كانوا سيحاكمون بسبب أعمالهم هذه، وأن الدولة غير ملزمة بالاعتذار لأحد.

- وأنه كان يحاول أن يقطع الطريق على زعيم المعارضة التركية كمال كليشدار أوغلو الذي يحذر الحكومة من التهرب من مسؤوليتها كونها هي السلطة السياسية المعنية مباشرة وليس الوحدات العسكرية التي نفذتها، ومواقف جديدة لقيادات في حزب المجتمع الديمقراطي المحسوب على أكراد تركيا تؤكد خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد وتحذر من العودة إلى أيام عام 1993.

- وأن أردوغان قال إن الدولة وبكل مؤسساتها لن تتهرب من تحمل أي مسؤولية، وإن الحادثة لن تختفي وتزول في دهاليز أنقرة، فالزمن تغير وكل التفاصيل ستظهر إلى العلن وبشفافية.

- وأن الذين يريدون تصفية حساباتهم مع أردوغان وحكومته هم كثر في هذه الآونة، بينهم من هو في الداخل، وبينهم من هو في الخارج، إلا أن هذا النقاش في حال استمراره سيقود إلى انفجار جديد إذا لم يتم التعامل معه بشفافية وحذر. مقدمته كانت وصف الحكومة لكلام شاهين أنه شخصي ولا يلزم الحزب والحكومة.

البعض يقول إنه من حق الحكومة أن تقطع الطريق على محاولات الاستفادة مما جرى لكن الرد الأقوى يبقى في اتخاذ إجراءات عاجلة تطمئن المواطنين بتحركات عملية تهدف للكشف عن كافة ملابسات الحادثة ومعاقبة المقصرين. لا يكفي الحديث عن مؤامرات وسيناريوهات ترسم في الخارج ضد العدالة والتنمية والحديث عن «كعب أخيل» التركي، فالحكومة ينبغي أن تتحمل كافة مسؤولياتها في مسائل حساسة من هذا النوع.

البعض يحذر من أن تتحول حادثة أولودرة إلى ولادة قيصرية وإجهاض لجهود ومساعي الحكومة في وقت يحذر فيه أردوغان من الإجهاض والولادات القيصرية كلما طال التحقيق وتشعبت المسائل. حكومة العدالة والتنمية ملزمة بمراجعة تفاصيل ما جرى وتحديد المسؤوليات لناحية من الذي زود القوات الجوية بالمعلومات حول تحركات هذه المجموعات، وكيف ظهرت قناعة بأنهم من الإرهابيين، ومن أعطى الأوامر لتنفيذ الضربات الجوية؟ هذا ما ينقذ العدالة والتنمية من هذا المأزق، والمعارضة لن تقبل بالمساومة على أقل من ذلك.

غلطة الشاطر أردوغان ستكون بألف إذا لم يسرع إلى تدارك ما يجري ويدعم إنجاز التحقيقات بأسرع ما يكون، فأردوغان جمع بين أجهزة الرصد والاستطلاع لإجهاض عملية قيصرية يفترض أنها كانت ستحدث جنبا إلى جنب مع مسألة الإجهاض والولادات القيصرية التي انتقدها ورفضها، وهو ما أقحمه في حوار يبدو أنه سيطول.