مصر تسير على الطريق الصحيح

TT

كما هو متوقع، أثمرت نتائج أول انتخابات رئاسية حقيقية في مصر وابلا من التعليقات، فبعد أن حسمت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات أن تكون المنافسة بين مرشح جماعة الإخوان المسلمين ومنافسه الذي يحظى بدعم ضمني من قبل الجيش، ينظر إليها البعض بوصفها كارثة، بينما يعدها آخرون انفراجة.

ورغم ذلك - وبعيدا عن صفات المدح أو الذم - فإن أفضل وصف يمكن أن توصف به النتائج هو كلمة أخرى: متوقعة. كانت النتائج متوقعة، إذ إنها تعكس حقيقة الوضع السياسي المصري في الوقت الراهن، منذ أن نالت مصر استقلالها في عشرينات القرن العشرين، باتت سياساتها خاضعة لعنصرين أساسيين، الأول هو الجيش، الذي تمحورت حوله الدولة المصرية الحديثة حتى في ظل الملكية، والثاني جماعة الإخوان المسلمين التي صاغت آمال ومخاوف قطاعات الطبقة الوسطى الحضرية والطبقات الوسطى الأدنى درجة في صورة آيديولوجية.

لكن، ماذا عن المحتجين في ميدان التحرير، مثلما يتساءل كثيرون؟ إن السؤال مصاغ بشكل خاطئ. حتى الآن، لا يمكن القول إنه قد حدثت ثورة في مصر. كما أشير في هذا العمود منذ عدة أشهر، يشهد المصريون تغييرا في عناصر النظام، لا تغييرا للنظام نفسه. على أي حال، كان الشعار الرئيسي لمتظاهري التحرير هو «ارحل!»، والذي وجهوه للرئيس المخلوع حسني مبارك، فلم تقترح الجموع المحتشدة في ميدان التحرير برنامجا لإحداث تغييرات جذرية في الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ونظرا لأن كلمة «ثورة» ما زالت تستحضر صورا خيالية، يحلو لبعض المصريين الإشارة إلى الثورة بمفردة «ثورتنا». ومع ذلك، فقد كانت الثورة تعرف بذلك الاسم فقط بعد حدوثها وليس قبل أو أثناء حدوثها.

إن مصر محظوظة بإفلاتها من الثورة، على الأقل حتى الآن.

الثورة، بصرف النظر عما يحيط بها من هالة خيالية، ليست بحفلة سمر، بل إنها مرتبطة بمقتل أعداد هائلة من البشر وبالدمار الشامل، عادة ما تبدأ الثورات في صورة انتفاضات ضد نظام ديكتاتوري، غير أنها تنتهي بإنشاء نظام ديكتاتوري جديد أسوأ، لقد أسفرت الثورة الفرنسية عن روبسبيير وعهد الإرهاب، وبلغت الثورة الروسية أوجها في عهد ستالين، وبلغت الثورة الصينية أوجها مع لين بياو وعصابة الأربعة. أما الثورة الخمينية في إيران، فقد أتت بولاية الفقيه أو ديكتاتورية الملالي.

وحتى الثورات المعتدلة التي اندلعت في عام 1848 في أوروبا أنتجت حكاما مستبدين، من بينهم لويس بونابرت وبيسمارك، وفي كل ثورة من هذه الثورات، ينتهي الحال بالشعب إلى أن تقل درجة الحرية التي يتمتع بها عن ذي قبل، ربما يتطلب التغلب على التبعات السلبية لأي ثورة عقودا، إن لم يكن قرونا.

ليس ثمة أدنى شك في أن بعض المصريين يجدون صعوبة في التصويت لصالح محمد مرسي أو أحمد شفيق. مرسي مرفوض انطلاقا من كونه يمثل الاستبداد المتعصب للرأي باسم الشريعة، وعلى الجانب الآخر، يتعرض شفيق لهجوم بوصفه شخصية استعراضية سلطوية وقع اختيار الجيش عليها لإنقاذ النظام السابق.

ومع كون هذا الموقف مفهوما، إلا أنه يبدو خاطئا وغير عادل، فالانتخابات تتعلق باختيار في وقت محدد وفي مكان بعينه، ومن ثم يجب الحكم على المرشحين في ضوء ما يقدمونه في تلك اللحظة على وجه التحديد وليس على أساس ما كانوا عليه في الماضي، أو الإجراءات التي يحتمل أن يتخذوها في ظل ظروف افتراضية. اليوم، مرسي هو أحد المرشحين لرئاسة مصر، وإذا ما تم انتخابه، فإنه فلن يصبح بعد الآن ممثلا لجماعة الإخوان المسلمين، أما عن شفيق، فإنه من غير المجدي أن نستمر في وصفه بلقب جنرال.

بادئ ذي بدء، شفيق جنرال متقاعد، إضافة إلى ذلك، فإن العمل بالجيش ليس مبررا لعدم تأهله لتولي منصب سياسي. فإن ثلث الرؤساء الأميركيين على الأقل حتى الآن من ضباط الجيش المتقاعدين.

وبوصفهم مرشحين للرئاسة، لم يهاجم أي منهم أيزنهاور في الولايات المتحدة أو ديغول في فرنسا لأنهما كانا جنرالين من قبل. كذلك، لم يشر إلى أتلي بلقب «جنرال»، حينما كان مرشحا لتولي منصب رئيس الوزراء في بريطانيا العظمى.

مما لا شك فيه أن ماضي أي مرشح مرتبط بالقرار الذي يتخذه الناخبون، ولكن تحويل ذلك الماضي إلى مثال دارج بشكل مبتذل أمر غير مقبول، لقد تهكم معارضو رونالد ريغان عليه، واصفين إياه بـ«راعي البقر»، لأنه لعب فيما سبق دورا في فيلم من أفلام الغرب الأميركي، وتجاهلوا حقيقة أن مسيرة حياته السياسية امتدت لضعف فترة عمله كممثل في سينما هوليوود.

الأمر الأسوأ هو تحويل مخاوف المرء إلى تشكيك في نوايا مرشح بعينه. يثير ترشح كل من مرسي وشفيق للرئاسة مشاعر مخاوف حادة، وهي مبررة، نظرا لأن كثيرا من المصريين بالضرورة يتوقعون الأسوأ من كليهما، ورغم ذلك، فإنه إذا ما قادت تلك المخاوف إلى مقاطعة الانتخابات ورفض العملية الانتخابية، سيكون العلاج أسوأ من المرض الحقيقي أو المزعوم.

من الأهم بمكان أن هذه الانتخابات، كونها الأولى من نوعها في مصر، لن تكون الأخيرة. القضية الحقيقية هي تشكيل إجماع وطني يرتكز على مبدأين هامين أساسيين. الأول هو أن الحكومات يجب أن تشكل وتحل من خلال الانتخابات. أما المبدأ الثاني، فهو أنه يجب السماح لجميع المصريين بخوض سباق الانتخابات؛ بعبارة أخرى، لا يجب حظر أي حزب أو جماعة بناء على أسس آيديولوجية.

وبينما يبدو من المهم البقاء في حالة من اليقظة والحذر، فإنه لا يجب المبالغة في احتمال إرساء نظام ديكتاتوري جديد في مصر باسم الدين أو «حفظ الأمن والنظام». إن مرسي وشفيق يفتقران للدعم الشعبي المطلوب لقيادة تحول مصر البطيء إلى الديمقراطية، ففي الجولة الأولى، حصل الرجلان على تأييد ما يقرب من خمس إجمالي الناخبين فقط.

وفي هذه الأيام، ثمة حالة سائدة من التشاؤم حيال التوقعات المستقبلية لمصر، ومع ذلك، فالحقيقة هي أن مصر تسير على الطريق الصحيح من خلال تغيير ناشئ يتفادى انهيار الثورة، في الوقت الذي يمنع فيه قيام نظام ديكتاتوري جديد.