أين «الحارة» السعودية؟

TT

تسبب مقطع فيديو لحادثة انقلاب سيارة بأحد شوارع الرياض وتطاير أجساد الشبان من داخلها، بحالة فزع وخوف.

الحادثة باختصار أن شبانا مراهقين يستقلون سيارة، كان قائد العربة يقودها بشكل هستيري واستعراضي خطير، والدليل على خطورته أنه انتهى بتقلب السيارة بعد اصطدامها بالرصيف، ثم في لحظة تخطف الأنفاس والأبصار، تطايرت الأجساد والأشلاء المقطعة من داخل السيارة، التقطت كاميرا جوال أحد الجمهور المحتشد - وهم أيضا من المراهقين - كل ذلك. ونحن في موسم الاختبارات المدرسية.

تناول الإعلام السعودي، بل حتى العالمي، هذه اللقطات المخيفة، وانهالت التعليقات والبرامج.

هذه الظاهرة، ظاهرة الاستعراض الخطير بقيادة السيارة بشكل متهور يقارب حافة الموت، تسمى في السعودية بـ«التفحيط». والاسم الجديد لدى الشبان هو «الهجولة» وهي كلها أسماء تدل على معنى واحد، الخروج على قانون المرور وتحويل السيارة إلى أداة أكروبات مرورية مميتة.

الرياض مدينة ضخمة جدا، يقطنها ما يناهز 6 ملايين نسمة وهي في ازدياد سكاني وعمراني، وهي أكبر مكان اكتظاظ سكاني، تليها مدينة جدة على الساحل الغربي، أصبحت شوارع هذه المدن مكتظة بالسيارات، وهي وسيلة النقل الوحيدة، في غياب وسائل النقل العامة الأخرى مثل المترو والقطارات، وضعف وسيلة الحافلات وسيارات الأجرة «التاكسي».

هناك كثافة شبابية في السكان السعوديين، والشباب هو سن النشاط والطاقة الزائدة، هناك حالة انفتاح على العالم، لكنه انفتاح بصري وافتراضي، من خلال الفضائيات والإنترنت، هذا الانفتاح عرف الناس بما لم يعرفوه من قبل، الحسن والقبيح.

إذا كثر الناس كثرت مشكلاتهم، ولذلك فالوقاية خير من العلاج، باستباق هذا التسونامي السكاني المتزايد بأوعية ومصارف تستوعب تفجر البشر العددي، من طرقات ووسائل نقل وخدمات بشكل عام، والأهم من هذا كله استيعاب هذه الطاقة المتفجرة في مسارب مفيدة ونقية، فهي طاقة لن تكف عن العمل والتعبير عن نفسها، فإما أن تقود أنت هذا الحصان الجامح، وتستفيد منه، أو تتركه فيحدث الضرر بنفسه.. وبغيره.

خلاصة الفكرة التي يراد قولها هنا:

هذا التهور في القيادة، الذي يشتكي منه كل سكان الرياض، ومثلهم أهل جدة، وهذا الانفلات الشبابي المراهق، الذي يأخذ صورا عدة منها «التفحيط» يرجع في جانب منه - ولا أقول كل الجوانب - إلى فقدان البديل أو حالة الضجر أو «الطفش» كما قال أحد الشبان الذين فسروا لماذا يفعلون ذلك على برنامج تلفزيوني.

سابقا، إلى حد زمني قريب، كانت «الحارة» هي الميدان الذي يستوعب كل فعاليات ونشاطات سكانها، من صغار وكبار، نساء ورجال، كان الشاب يمارس لعبة كرة القدم وغيرها من الألعاب في «براحة» الحي، وكان الكبار يجلسون مع بعضهم في ناصية من نواصي الحي يراقبون الصبية ويتبادلون الحديث، وبذلك تتعزز الروح الاجتماعية المتضامنة، ويكونون هم أنفسهم حراسا للحي وأمناء عليه بشكل تلقائي، وكذلك النسوة يتبادلن زيارات الضحى.

الآن انتهت ثقافة الحارة أو لنقل، الجوانب الحسنة منها، وأصبح الناس كتلا بشرية ضخمة لكن بلا اتصال صحي وتفاعل مفيد.

الاقتراح باختصار لكل مدن السعودية الكبيرة هو الحرص على إيجاد «مركز الحي» وفيه ملعب للكرة، ومضمار للمشي، وحديقة للتنزه، وفرصة للتعارف بين سكان الحي، هذا سيصرف طاقات الشباب في مكانها الصحيح، ويوفر شبكة تضامن اجتماعي تعزز جهود الأمن «الناعم» أي الأمن الاجتماعي. نحن نفتقد الحارة.. نريد عودتها بثوب جديد.. وهو مركز الحي..

[email protected]