تركيا وسوريا وإسرائيل.. جيرة مؤلمة

TT

مر اليوم عامان على تحول التوتر الذي يشهده إقليم شرق البحر المتوسط إلى كارثة، عندما قامت القوات الخاصة الإسرائيلية بمداهمة السفينة «مافي مرمرة»، التي استأجرتها إحدى منظمات الإغاثة التي تتخذ من تركيا مقرا لها للقيام بمهمة إغاثة إنسانية وكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة الفلسطيني. تسببت هذه المداهمات في مقتل تسعة مواطنين أتراك، وهي المرة الأولى التي يتم فيها قتل مواطنين أتراك من قبل جنود أجانب منذ حرب التحرير التركية التي تمخضت عن تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923.

وبعد بضع ساعات من هذه المداهمات، هاجم مسلحون تابعون لحزب العمال الكردستاني المحظور قاعدة بحرية تركية، مما أسفر عن مقتل ستة جنود في محافظة هاتاي التركية التي تقع على الحدود مع سوريا. يشتبه المسؤولون في قيام هؤلاء المسلحين بالتسلل إلى القاعدة من سوريا.

وبحلول صيف عام 2010، كانت العلاقات التركية - السورية في أفضل حالاتها، حيث كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بمثابة الشقيق الأكبر للرئيس السوري بشار الأسد، إلى درجة أن كلا الزعيمين كانا يشيران إلى بعضهما البعض بكلمة «أخي» أمام العامة. كان الأسد مفيدا للغاية لتركيا في إطار مساعيها لملاحقة حزب العمال الكردستاني في سوريا، حيث تعهد الأسد بأن سوريا لن تسمح بشن هجمات إرهابية ضد تركيا انطلاقا من الأراضي السورية.

وفي الواقع، كانت هذه الكلمات تشير إلى تجربة أخرى مريرة حدثت خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، عندما كانت سوريا مقرا لحزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان أثناء فترة حكم والد بشار الأسد، الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. انتهى هذا الوضع بعدما قامت تركيا بتهديد سوريا علانية بشن عملية عسكرية ضدها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1998، حيث قامت سوريا بعدها بستة أيام بطرد أوجلان من أراضيها وتم إلقاء القبض عليه في نهاية المطاف أثناء مغادرته للسفارة اليونانية لدى كينيا متجها إلى المطار، في عملية استخباراتية تركية - أميركية مشتركة في شهر فبراير (شباط) عام 1999.

وخلال حقبة التسعينات، جمعت تركيا وإسرائيل علاقة صداقة وثيقة، حيث قامت الدولتان بإعادة بناء وتجديد علاقاتهما الثنائية بعد فترة من الجمود شهدتها حقبة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. أدى مناخ الصداقة بين هاتين الديمقراطيتين الموجودتين في حوض البحر المتوسط إلى حالة من السعادة التي انتابت حليفهما المشترك، الولايات المتحدة الأميركية. استمر هذا المناخ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث ازدهر وتطور في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية التي جاءت للسلطة في عام 2002.

كانت العلاقة بين تركيا وإسرائيل جيدة للغاية، إلى درجة سمحت لتركيا بلعب دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا للتوصل إلى سلام عقلاني في منطقة الشرق الأوسط. توقع الجميع نجاح هذه المحادثات التي كانت تركيا تجريها مع سوريا بالنيابة عن إسرائيل، ولكن الأمور بدأت في التدهور بشكل كبير عندما قام الجيش الإسرائيلي بمهاجمة غزة وقتل المدنيين مباشرة عقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت إلى أنقرة لمناقشة جهود السلام مع سوريا والفلسطينيين في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2008، ثم جاء الصدام الذي استمر لـ«دقيقة واحدة» مع الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس في منتدى دافوس في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2009. لذا، فعندما قامت القوات الخاصة الإسرائيلية بمهاجمة السفينة «مافي مرمرة»، كانت العلاقات بين البلدين ينتابها الاضطراب بالفعل.

انتهى شهر العسل بين تركيا وسوريا مؤخرا بعدما حاول الرئيس الأسد تقليد والده في التعامل مع مطالب شعبه بالحصول على المزيد من الحرية، وهي المطالب المستوحاة من ثورات الربيع العربي التي أدت إلى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة في تونس وليبيا ومصر.

أما الوضع الحالي فهو كالتالي: انضمت تركيا بالأمس إلى التحالف الغربي وقامت بسحب بعثتها الدبلوماسية بالكامل من سوريا، وذلك بعد أن قامت أنقرة، قبل أشهر قليلة، بخفض علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل إلى أدنى مستوى ممكن.

وبالأمس أيضا، عبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن دعمها الكامل للجنود الإسرائيليين، بما في ذلك رئيس الأركان الإسرائيلي، الذين يخضعون لمذكرة توقيف تركية بسبب مأساة السفينة «مافي مرمرة»، وسط تلاسن مع إيران بشأن برنامجها النووي. يوافق اليوم (أمس) الذكرى السنوية الثانية لوقوع مأساة السفينة «مافي مرمرة»، والتي سيتم الاحتفال بها عن طريق القيام بمظاهرة حاشدة في قلب العاصمة التركية تنظمها نفس منظمة الإغاثة التي قامت بتنظيم رحلة «أسطول الحرية» من قبل.

لا توجد هناك أي إشارة في الوقت الراهن على انخفاض حدة التوتر السياسي في المنطقة.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية