انقسام التيار المدني يساعد على فوز مرشح «الإخوان»

TT

بينت نتائج الانتخابات الرئاسية في مصر بوضوح انقسام الناخب المصري إلى ثلاثة أقسام رئيسية: قسم يريد جماعة الإخوان المسلمين ويرغب في إقامة حكم ديني للبلاد ولذلك اختار محمد مرسي، وقسم آخر يريد الحفاظ على النظام المدني وتحقيق الأمن والاستقرار وهو الذي اختار أحمد شفيق، والقسم الثالث يرفض الخيارين السابقين ويريد العودة إلى النظام الأول لجمال عبد الناصر، قبل معاهدة السلام والانفتاح الاقتصادي، وهو الذي اختار حمدين صباحي. ولا يستطيع أحد التشكيك في نتائج هذه الانتخابات، حيث إنها تمت في ظل رقابة من عدة جهات محلية وأجنبية، وأمام أعين الصحافة وكاميرات الإعلام، ولم يلاحظ أي منهم حدوث تدخل من أي جهة لتزوير النتائج. وبخلاف بعض الخروقات التي جاءت من بعض الأطراف، سارت عملية التصويت في هدوء وانتظام، رغم ارتفاع الحرارة وطول طوابير الانتظار.

وبعكس ما تنبأت به استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات، أظهرت نتائج فرز الأصوات تراجع شعبية عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، وصعود حظوظ محمد مرسي وأحمد شفيق للتنافس على الرئاسة في المرحلة النهائية. ورغم حصول حمدين صباحي على تأييد كبير بين صفوف المثقفين وشباب الثورة، خرج هو وعمرو موسى وأبو الفتوح – الذين تقاربت نتائجهم - من التصفية النهائية التي ستجري في السادس عشر من هذا الشهر. وبينما دعا حزب الوفد – الذي أيد ترشح عمرو موسى - إلى أن يتم اختيار الرئيس على أساس تفضيل دعاة الدولة المدنية على دعاة الدولة الدينية، فقد تحالف الليبراليون والثوار لتأييد حمدين صباحي الذي اعتبروه هو المخلص من نظام مبارك وحكم «الإخوان» معا. ورغم حصول صباحي على نسبة كبيرة من الأصوات، فإنها لن تمكنه من دخول التصفية النهائية للوصول إلى كرسي الرئاسة.

ليس في إمكان المعارضين رفض نتيجة الانتخابات، لأنها جاءت عكس ما تمنوه، ولا التهديد بالنزول إلى ميدان التحرير في ثورة ثانية. على الجميع أن يفكر في هدوء، ويساءل: ماذا حدث في مصر منذ 25 يناير (كانون الثاني) 2011؟ ولماذا أتت نتائج الانتخابات بعكس ما أراده شباب الثورة؟ فمن الواضح أن نحو 25 مليونا من المواطنين المصريين قد انقسموا بين التيار الإسلامي الذي يعد بإلغاء الدولة المدنية وإقامة دولة دينية تحكم بالشريعة، وأنصار النظام السابق الذي – رغم فساده وشموليته – قد وفر الأمن والاستقرار للبلاد.

ذلك أن الثورة التي قامت في العام الماضي - وإن أسقطت نظام مبارك - فهي لم تستطع تقديم نظام بديل ولا الدعوة إلى فكر جديد يعبر عنها، فهي ثورة بلا قيادة وبلا برنامج. وبينما أفرزت أول انتخابات تشريعية بعد الثورة برلمانا يعمل على إسقاط الدولة المدنية التي أقامها محمد علي باشا، فهناك احتمال كبير الآن أن يتم اختيار رئيس للجمهورية يتحالف مع البرلمان، ويدخل مصر في متاهة تشبه ما حدث في إيران بعد مجيء الخميني.

وإذا نظرنا إلى دعوة شباب الثورة التي وجهوها إلى الناخبين، نجد أنهم وعدوا الناس إما بإعادة نظام جمال عبد الناصر وانقلاب يوليو (تموز) من جديد عن طريق انتخاب حمدين صباحي، أو اختيار عبد المنعم أبو الفتوح الإسلامي المتطرف الذي أنشأ الجماعة الإسلامية التي أفرزت الكثير من الجماعات الإرهابية باسم الجهاد، فهل هذا هو ما قامت ثورة 25 يناير من أجله؟

رغم أن الفرصة باتت ضيقة جدا، والعد التنازلي صار يعلن عن قرب قيام دولة جديدة أكثر شمولية من نظام مبارك، فقد يكون من الممكن حماية الثورة وحماية شعب مصر لو أعاد المثقفون وشباب الثورة التفكير، ووضعوا خطة جديدة وأهدافا يمكن الوصول إليها وإقناع الجماهير بها، فهم في حاجة إلى فرصة من الزمن تمنحهم الوقت الكافي لتنمية فكر جديد وظهور قيادة للثورة تضع برنامجا لها، وتبلور أهدافها في بناء مجتمع الديمقراطية والرخاء.

الآن لم يعد أمام المصريين سوى ثلاثة خيارات لا رابع لها: إقامة نظام ديني يحكم بالشريعة، استمرار رجال النظام السابق لفترة أخرى، أو انقلاب عسكري سيتم حتما لو حاول «الإخوان» حل الجيش وإقامة الحرس الثوري الإسلامي بديلا عنه.