رتابة القتل

TT

تعودنا الحروب والفظاعات اليومية على التبلد الذهني. تحدث التفافا في معاييرنا الإنسانية. لا يكون رقم الضحايا وحجم الخراب مهماً إلا إذا كان ضخماً. مجزرة الحولة لم تكشف جديدا عن النظام. فقد قتل أكثر من عشرة آلاف شخص حتى الآن، ودمر مدنا وقرى كل يوم، ووفق أرقامه الرسمية، أن نحو 350 طفلا قتلوا حتى صدور ذلك التقرير على لسان بشار الجعفري، داعية السلام والوئام في الأمم المتحدة.

ولكن لصور المجازر وقعا آخر. والسؤال ليس من ارتكبها، ولا من أين جيء بالجثث، ولا التفاصيل البليدة التي قرأها جهاد المقدسي، بل هو من هي الأيدي الوحشية الجهنمية التي تطعن الأطفال بالحراب؟ وإذا كانت النفس البشرية ترتعد أمام مشهد الأطفال المذبوحين، فهل مشهد الكبار المذبوحين أقل فظاعة؟! لقد تعودنا، للأسف، أن ذبح الكبار ليس مهما جدا، وأن الجريمة فقط في قتل الأطفال. طبعا لا يمكن لعقل، مهما كان مريضا، أن يتخيل أن يدا وحشية سوف تذبح طفلا يبكي ويستغيث. لم نقرأ ذلك في قصص الرعب ولم نشاهد مثله في أفلام الخوف والجريمة. والرد على هذه الفظاعة التي لم يحدث مثلها منذ مجزرة صبرا وشاتيلا، لا يكون ببيان يتلعثم جهاد مقدسي في قراءته، بل في دعوة لجنة تحقيق دولية إلى الحولة على الفور. فالمسألة هنا ليست سمعة النظام الذي يقصف «العصابات المسلحة» منذ عام ونصف العام على مدى الليل والنهار، بل سمعة سوريا التي يمكن أن يقع فيها مثل هذا العمل.

هذا عمل لا يبرر ولا يتم شرحه في بيان. إذا كان النظام واثقا من أنها جريمة العصابات الإرهابية المسلحة فليفتح أبواب الحولة أمام لجنة تحقيق دولية، وليس أمام لجنة تحقيق محلية، لأن لجان التحقيق العربية «مسخرة موصوفة» في كل مكان. ولأن تقاريرها تكتب غالبا قبل الوصول إلى مكان الكارثة وتملى في المخافر.

ويجب أن لا تعودنا مجزرة الحولة على أن القتل اليومي بالمفرق أمر عادي روتيني رتيب لا يستحق مؤتمرا صحافيا في نهاية الأسبوع من جهاد مقدسي. رد الفعل العالمي على المجزرة طبيعي، ولكن مقتل أكثر من 10 آلاف إنسان موزعين على الأيام والمدن، ليس أقل هولا، ومقتل الاستقرار والأمن والاقتصاد في سوريا ليس أقل فظاعة.

الحروب تعودنا على التبلد الذهني. صار أمرا طبيعيا أن يكون الغاني كوفي أنان ممثل الجامعة العربية. صار أمرا طبيعيا أن ينزلق العالم العربي إلى التفتت. صار أمرا طبيعيا أن تفقد الدول لحمتها ربما إلى الأبد وأن تمنع من تمضية يوم هادئ واحد كما في البحرين. لم يعد من مفاجأة سوى المجازر.