خطة السلام مجرد حبر على ورق

TT

يتم قتل السوريين منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في السبعينات من القرن الماضي. والآن، يتم سفك الدماء بصورة أكبر في عهد نجله بشار الأسد، حيث يعيد التاريخ نفسه، ولكن يبدو أن هذا لا يعني أحدا.

وفي شهر مارس (آذار) الماضي، وضع المجتمع الدولي ثقته في خطة السلام التي توصل إليها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان مع الأسد. ومع ذلك، استمرت الحملة الوحشية على الشعب السوري - والتي أودت بحياة الآلاف وشردت مئات الآلاف – ويتم ارتكاب أفظع الجرائم بمجرد أن يدير مفتشو الأمم المتحدة ظهورهم، ويتم استهداف المدنيين لمجرد تجرؤهم والحديث مع مفتشي الأمم المتحدة أو يتم قتلهم بشكل عشوائي بسبب احتجاجهم. وفي نهاية الأسبوع الماضي، تم قتل أكثر من 100 شخص - من بينهم أكثر من 30 طفلا - في قرية الحولة. ويوم الثلاثاء، تم العثور على 13 جثة أخرى - مقيدة ومقتولة - في شرق سوريا.

وكان واضحا منذ البداية أن خطة أنان كان ميئوسا منها. لقد طالبت بوقف إطلاق النار تحت إشراف الأمم المتحدة، ولكن وقف إطلاق النار غالبا ما يتم بين جيشين، أما في هذه الحالة، فهناك جيش واحد فقط يقوم بذبح شعبه الأعزل. وعلاوة على ذلك، أرسلت الأمم المتحدة عددا قليلا للغاية من المراقبين - 300 مراقب في مساحة تبلغ 71.429 ميلا مربعا، في الوقت الذي تحتاج فيه بعض المناطق، مثل مدينة حمص، إلى 10.000 مراقب وحدها.

وبالإضافة إلى ذلك، طالبت خطة السلام الأسد ورفاقه بتحقيق «التطلعات والشواغل المشروعة للشعب السوري»، ولكنهم يعرفون أنه إذا ما تم توفير أي قوة للمعارضة، فإن ذلك سيكون بمثابة نهاية النظام. إن الطغاة، من أمثال بشار الأسد، يعملون في إطار القوة المطلقة - ولا يضع الطغاة أي اعتبار لتطلعات الشعوب. وطالبت الخطة بإعطاء الصحافيين حرية الحركة في أي مكان، ولكن الصحافة السورية لم تكن حرة طيلة الخمسين عاما الماضية، وتم إصدار أحكام بإعدام الصحافيين السوريين في الآونة الأخيرة.

ومع وضع كل هذه الأمور في الاعتبار، فقد أوقع أنان نفسه في خيبة أمل مريرة. إن اعتقاد المجتمع الدولي أن خطة السلام يمكنها تحقيق أهدافها ببساطة، يظهر مدى انفصاله عن حقيقة ما يجري على الأرض في سوريا.

في الحقيقة، الغرب جيد للغاية في الكلام، واستخدم مجموعة كبيرة من المفردات لوصف الوضع في سوريا، وكيف أنه مروع للغاية. ومع ذلك، دائما ما تكون الأفعال أبلغ من الأقوال. ومنذ شهر يوليو (تموز) الماضي وأنا أطالب القوى الغربية بطرد السفراء السوريين من بلادهم. وللأسف، لم يقوموا بهذا إلا خلال الأسبوع الحالي عندما وقعت كارثة مأساوية بحجم مجزرة الحولة. وخلال تلك الفترة، لقي آلاف الأشخاص الأبرياء حتفهم. ويتعين على الغرب أن يعترف الآن بأن النظام قد وصل إلى نقطة اللاعودة، وأن القرارات لا قيمة لها، وأن المستقبل الوحيد لسوريا سيكون من دون وجود عائلة الأسد في الحياة السياسية.

إننا لا نطالب بوجود قوات على الأرض، ولكن بفرض منطقة حظر جوي مماثلة لتلك التي فرضت على العراق وليبيا، وبدعم الجيش السوري الحر، لأن فرض منطقة حظر جوي سيمنع الحكومة من قصف المدنيين من دون تمييز، كما أنه سيساعد المعارضة على التوصل إلى برنامج سياسي ديمقراطي، لأنه سيمكن زعماء المعارضة من السفر والتحدث مع المدنيين من دون الخوف من التعرض للقتل على يد القوات الحكومية. وعلاوة على ذلك، سوف يعطي الجيش السوري الحر مساحة أكبر للعمل. وعلاوة على ذلك، يحتاج الجيش السوري الحر للأسلحة، ويتعين على الغرب إمداده بالأسلحة اللازمة - على الرغم من أنه يجب توزيع هذه الأسلحة بشكل مدروس، وليس مجرد إلقائها في شوارع سوريا.

لقد ساعد الغرب في الإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي، على الرغم من أن ما حدث في ليبيا كان أقل مما يحدث في سوريا الآن، ولذا فإن عدم القيام بالشيء نفسه الآن لا يمكن وصفه بكلمة أخرى سوى أنه نفاق.

بالطبع، يتميز الموقف السوري ببعض الخصوصية نتيجة للدعم الذي يتلقاه النظام من روسيا، وهي إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولكن لو كان هدف روسيا هو الحفاظ على نفوذها في منطقة الشرق الأوسط من خلال الاتفاقيات العسكرية مع سوريا وميناء طرطوس الاستراتيجي، فإن أفضل طريقة للقيام بذلك هي دعم الثورة السورية. النظام السوري الآن يشبه السفينة التي تغرق، ويتعين على الروس، الذين يبدو أنهم لا يبالون بالفظائع التي ترتكب في سوريا بشكل يومي، أن يهتموا بذلك. ولن يغير الروس موقفهم مما يحدث في سوريا إلا عندما يتيقنون من أن النظام قد أصبح على وشك السقوط. وفي نفس الوقت، يمكن لنظام الأسد أن يعول على بعض الدعم من الصين، فضلا عن الدعم القوي من إيران وحزب الله.

ولا يمكن للغرب أن يقف مكتوف الأيدي، لأنه كلما طال أمد الصراع، زادت فرص انزلاق سوريا باتجاه حرب فوضوية سيكون لها عواقب وخيمة على المجتمع الدولي برمته، ولا نريد أن نرى دولا أخرى فاشلة مثل أفغانستان.

إن أفضل أمل للمنطقة يتمثل في سوريا حرة ونزيهة، تمثل كافة جوانب الحياة السورية، وتحترم السلطة القضائية والقانون الدولي وحقوق الإنسان والحياة. والآن، فإن السوريين بحاجة ماسة إلى كافة أنواع الدعم.

* محام في مجال حقوق الإنسان وقاض سابق وأحد قادة المعارضة السورية