السوريون في حرب أهلية منذ البداية

TT

هناك إجماع على أن سوريا على شفير حرب أهلية، صرح بها تقريبا كل وزراء خارجية الدول الكبرى على اختلاف مواقفهم السياسية تجاه الثورة السورية، فهل سوريا - حقا - على حافة الهاوية؟ وما هي مواصفات الحرب الأهلية في الحالة السورية؟

فعليا، البلاد في حالة حرب أهلية منذ أكثر من عام لكننا لا نسميها كذلك. اختلفت التوصيفات ما بين ثورة وانتفاضة ومواجهات والبعض يسميها إرهابا ومؤامرات خارجية، إنما فيها خصائص الحرب الأهلية، حيث يوجد فريقان يقتتلان بغض النظر عن العناوين المرفوعة في ساحة الحرب.

النظام اكتشف مبكرا أنه أضعف من أن يقف أمام المد الاحتجاجي السلمي الهائل الذي وصل في مدينة حماه إلى أكثر من نصف مليون؛ لهذا سعى متعمدا إلى تحويلها إلى حرب أهلية، باستثناء أن هناك فريقا مسلحا، أي جماعة النظام، وفريقا أعزل قوته في كثرة عدده وإصراره على التحدي، وحديثا أصبح بعضه مسلحا. والنظام موجود كصورة للرئيس ومؤسساته من جيش وأمن لكنه بلا شرعية، أولا بسبب عجزه عن السيطرة على معظم أنحاء سوريا، وثانيا لأنه سعى لإعادة تأهيل نفسه وفشل بانتخابات برلمانية مزورة ومظاهرات موالية له قام بتنظيمها، وإعلام يعيد كتابة وتدوير قصته للحرب الأهلية الدائرة كل يوم في عشرات المدن.

لأنه يعرف أن الناس صارت تنظر إليه على أنه نظام مرفوض لم يجد حرجا في الترويج لكونها «مؤامرة سنية متطرفة»، لكنه لم يكمل الجملة.. «ضد العلويين وبقية الطوائف». كل يعلم أن الانتفاضة منذ أن بدأت لم تتضمن أبدا أي روح أو دعاوى أو أسباب طائفية. النظام هو الذي أراد دفع الطوائف إلى التصادم، وحاول الاحتماء بدرجة أساسية بطائفته العلوية، وتعمد توريطها في الحروب اليومية لأنه لم يعد يثق في ولاء بقية مكونات المجتمع السوري له. وفي نفس الوقت لجأ إلى تخويف الطوائف الأخرى، مثل المسيحيين السوريين، من مواطنيهم المسلمين، وسعى لشق صف الدروز، وأراد نقل الزعامة من يد إلى أخرى، وفعل الشيء نفسه مع الأكراد. واستهدف سنة سوريا أيضا مبكرا بتصنيف المعترضين عليه بأنهم سلفيون يريدون تغيير أسلوب الحياة السلمية المدنية الذي عرف به سنة سوريا.

مارسها في داخل الجيش والأمن، كما جرب فعله في الحواضر المدنية. زج بأبناء البلد من علويين وبقية الطوائف بأوامر صريحة بالقتل، وتعمد بث وترويج صور علويين يرتكبون جرائم ضد سنة، ويتلفظون بأقذع أنواع السباب ضد دينهم، بهدف شق الصف السوري وبث روح الانتقام بين الفئات السورية. وفي مواجهات بعينها كانت قواته تقصف من مناطق علوية، يسميها آمنة، ضد مناطق سنية، في حمص. لماذا؟ لأنه يريد إحدى نتيجتين، تخويف العالم من حرب أهلية، مذكرا بالنموذج اللبناني وحربه الأهلية وكذلك العراق، وثانيا لأنه يعتقد أن الصراع الطائفي الحل الأخير له بعد أن أصبحت الدولة فعليا في حال انهيار.

نحن نرى أمامنا حربا أهلية طرف فيها بخوذات رسمية، نظام طائفي يتعمد توريط العلويين اعتقادا منه أنهم عند سقوط السلطة سيكونون ملاذه الأخير ويدافعون عنه اعتقادا منهم بأنهم يدافعون عن أنفسهم ضد هجمة سنية.

وبالتالي، فقد معناه التحذير من نشوب حرب أهلية طالما أن الناس تعتقد أنها في حرب أهلية، يحاربون فريقا مسلحا بالصواريخ والدبابات وهم ممنوعون من التسلح. وثقوا بأنهم سيتسلحون في النهاية لأنه لم يعد هناك من مخرج آخر لحماية الفرد نفسه من القتل اليومي سوى التسلح. ومع أنه أسوأ وأخطر النتائج فإن التسلح صار ضرورة؛ لأن الناس فقدت أملها في المجتمع الدولي الذي يمتنع عن التدخل، على الرغم من مناشدة الشعب السوري له طالبا ردع النظام ووقف الحرب الجارية.

[email protected]