المخاوف السورية: معظمها يغيب عندما يسكت السلاح!

TT

مع مرور الوقت تتزايد المخاوف حول سوريا ومستقبلها، وذلك بخلاف ما كانت عليه التقديرات في بداية ثورة السوريين في أواسط مارس (آذار) 2011، حيث لم تكن هناك مخاوف تذكر، لأن مسار الثورة المحتمل، كان قريب النتيجة بحصول التغيير، وهتافات المتظاهرين السوريين، كانت تركز على سلمية الثورة، ووحدة السوريين وتضامنهم في الحاضر ومن أجل المستقبل. ومن الناحية العملية، فقد تشارك منتمون إلى مختلف تكوينات الجماعة الوطنية في حركة التظاهر والاحتجاج التي شهدتها المدن والقرى السورية حينذاك، واكتسبت تلك المشاركة طابعا احتفاليا إلى جانب مضمونها التشاركي، ووسط تلك الأجواء، كانت المخاوف أقل، بل إن معظم المخاوف الظاهرة اليوم، لم تكن مطروحة، ولا بيئتها كانت حاضرة أصلا.

بعد خمسة عشر شهرا، تبدو الصورة، وكأنها تغيرت. إذ ثمة مخاوف كثيرة، وبغض النظر عن جدية وأهمية هذه المخاوف، فإنها موجودة في داخل سوريا، كما في خارجها، وهي مخاوف عند الأفراد والجماعات وموجودة لدى الهيئات والدول، وقد غدا بعض هذه المخاوف أساسا معلنا في رسم مواقف البعض، والأساس الذي تقوم عليه بعض السياسات إزاء الأوضاع القائمة في سوريا واحتمالات تطورها.

ولعل من المهم الإشارة، إلى أن بعض المخاوف، يستند إلى معطيات ووقائع، وبعضها يعود إلى تقديرات ومقارنات، وقد تختلط المستندات، لكنها جميعا تعود أيضا إلى طول فترة الصراع في البلاد ومجرياتها، وما أثارته من عوامل قلق جسدت بيئة، تنامت فيها المخاوف، وخصوصا لدى الأطراف المترددة، والتي لا تملك أساسا متينا، تقوم عليه نظرتها ومواقفها حيال الأوضاع وما يمكن أن تتطور إليه.

إن من الصعب حصر المخاوف المطروحة حول سوريا، بل إن تلك المخاوف متداخلة ومعقدة، لكن ما سبق لا يمنع من إشارات إلى بعضها، ولعل أبرزها، هو الخوف من عسكرة الصراع، بحيث يتم تسليح وتنظيم سوريين ضد سوريين بعد تسعير نار العنف، وإدخالهم في مجاري حرب أهلية، تعم المناطق السورية أو أغلبها، فتجعل السوريين في مواجهة بعضهم بعضا طوائف وأديانا وجماعات من أصول قومية، تندرج جميعها في إطار الجماعة الوطنية.

كما أن بين المخاوف، أن تقود الصراعات المسلحة وغيرها إلى سيادة الفوضى وتدمير الدولة، وانتشار الجماعات المسلحة وأمراء الحرب الذين سيتوزعون طبقا لتوازنات القوى التي سيشكلها الصراع على الأرض والتوازنات الإقليمية والدولية في علاقاتها مع الداخل السوري بما فيه من تفرعات وتكتلات.

وبين المخاوف الماثلة في سوريا، ما يحيط بوجود الجماعات الإسلامية الأصولية والمسلحة، وما يمكن أن تشكله من حجم ووزن في البلاد ووسط سكانها، الأمر الذي من شأنه أن يحدث تغييرا جوهريا في الحياة السورية بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد يكون من شأنه إعادة طرح الأسس التي تقوم على أساسها الدولة والمجتمع، طبقا لمعتقدات وتوجهات وممارسات تلك الجماعات على نحو ما حصل في بلدان عربية وإسلامية من بينها العراق وأفغانستان وغيرهما.

ورغم أن المخاوف حالة مشروعة، وتستحق الاهتمام، فإن ذلك لا يعني أن كل المخاوف المثارة جدية، وأنها تستحق ذات القدر من الاهتمام خاصة لجهة البناء عليها، لكن الفطنة السياسية، تفترض الانتباه إلى كل المخاوف، ثم القيام بترتيب تلك المخاوف ووضعها في سياق من الأهمية والخطورة، والتعامل معها طبقا لذلك، مما يمنع تجاهل أو تقليل أهمية المخاوف، أو الذهاب نحو المبالغة في حجم تأثيرها، مما قد يحول بعضها في الحالتين إلى أسباب في كوارث غير محسوبة.

غير أنه وفي الحالة السورية المحددة، فإن أغلب المخاوف المثارة مقترنة باستمرار الحل العسكري الأمني الذي اختارته السلطات السورية مسارا في التعامل من الأزمة القائمة في البلاد، الأمر الذي وفر أساس بروز هذه المخاوف وتصاعدها، ولعله من الطبيعي القول، إن توقف مسار الحل الأمني العسكري وتوجه البلاد نحو معالجة سياسية للحالة السورية، سوف يخفف من تلك المخاوف، أو يغيب بعضها، ويوفر أساسا لمعالجة ما تبقى أو معظمه خاصة إذا كانت إرادة الحل السياسي متوفرة عند الأطراف المعنية، والجهود محكومة برغبة الخروج من الأزمة. وهذا يقودنا إلى خلاصة أن الأساس في معالجة المخاوف في سوريا وحولها، إنما يبدو في وقف استخدام السلاح، والأهم فيه هو وقف استخدام السلاح من جانب السلطات السورية والذهاب إلى خطوات تهدئة وتطمين، ثم معالجة ما يتبقى من مخاوف.