هل «موَّل» الرابطة القلمية؟

TT

نظرت أميركا إلى جبران خليل جبران كواحد من أهم أدباء القرن الماضي، ولا تزال كتبه بعد نحو 8 عقود على وفاته بين الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة. لم يعطه بقية الغربيين الأهمية نفسها لكن مؤلفاته ترجمت إلى معظم اللغات.

وضعت عشرات المؤلفات عن سيرة جبران، الذي توفي متقرح الكبد، دون الخمسين من العمر. القاسم المشترك بينها أنها كتبت بمحبة وإعجاب، وصنعت هذه المؤلفات للرجل هالةً أسطورية صار من الصعب معها تمييز الحقيقة من التخيل. وبدا وكأن ثمة تواطؤا أو توافقا بين مؤرخيه على الانطلاق من نقطة الانبهار.

بقدر ما أعرف، لم تتعدَ انتقادات الغربيين لجبران، المقالات المنشورة في الملاحق الأدبية. وما عدا ذلك كان إعجابا بأدبه أو تعاطفا مع ما مرَّ به من مآسٍ وفقر قبل أن يرتقي الشهرة في أميركا والعالم العربي. ثم توقف عن الكتابة بالعربية عندما رأى أن جميع الصحف والمجلات تعيد نشر مقالاته من دون أن ترسل له قرشا واحدا بدل حقوق المؤلف، التي كان يعيش عليها في نيويورك.

من كان المهاجم الوحيد لجبران؟ صديقه ورفيقه في «الرابطة القلمية» ميخائيل نعيمة. وقد برر ذلك بعد سنين في حديث إلى أندرو غريب، مترجم جبران إلى الإنجليزية إذ قال إنه أراد أن يقدم جبران كبشر وأن يزيل عنه هالة التعظيم. لكن أندرو يقول في مقابلة مع الشاعر هنري زغيب، في كتابه عن جبران، إن الأخير كان يصرف على أعضاء الرابطة القلمية وحتى على المجلات التي يصدرونها. وكان لنعيمة القسط الأوفر من تلك المساعدات حتى قيل إن سبب عودته إلى لبنان بعد وفاة جبران 1931، كان انكشاف وضعه المادي.

كان أكثر من ثار على كتاب نعيمة وهاجمه في الصحف بشدة، رفيق الاثنين، أمين الريحاني. ورد نعيمة بأنه أقرب صداقة ومودة إلى جبران منه. فردَّ الريحاني: «أما أنا فأكثر معرفة به». مرت علاقة الريحاني وجبران بفترة من الفتور أيضا. لكن كلا اللامعين كان معجبا بألمعية صديقه حتى في الجفاء. أما نعيمة فشعر أن صديقه غرد بعيدا في فضاء العالمية التي حاول التحليق إليها هو أيضا. يقوم عالم الفن والأدب على الغيرة. لم يكن نعيمة المثال الوحيد. فقد حاول عملاق مثل طه حسين أن يحقر عملاقا مثل العقاد. وظل كلاهما عملاقا إلا في غيرته وحسده. وامتلأت صحافة مصر ولبنان بالسقوط عند عمالقتهما. وتراشق كبار شعراء لبنان بما لم يتراشق به جرير والفرزدق. وبما تراشقا أيضا.