بعد الحكم!

TT

محكمة القرن حصلت، وانعقدت جلسة النطق بالحكم بعد فترة غير قليلة من التشكيك في إمكانية حصولها أصلا.

قدم القاضي أحمد رفعت النطق بالحكم بخطبة سياسية بامتياز، يبارك للشعب المصري بثورته ويحمل النظام السابق مسؤولية الكوارث التي حلت بالبلاد، ونطق بالحكم الذي سرعان ما أطلق شرارة غضب كبيرة في الشارع الثوري المصري الذي رأى أن الحكم مسيس بامتياز ويرغب في حماية رجال نظام مبارك؛ لأنه برأ نجلي الرئيس علاء وجمال وكذلك أعوان وزير الداخلية حبيب العادلي الستة وكذلك رجل الأعمال الهارب حسين سالم.

القاضي أحمد رفعت اعتمد في حكمه على ما جاء من وثائق وأوراق، واستند في تقييمه إلى ذلك، على الرغم من عدم إغفال اللحظة الشخصية للرجل في المشهد وهو يشارف على ختام حياته المهنية بعد أيام قليلة ويريد أن ينهيها بلحظة مجد وخلود، ولا يمكن إغفال أن النيابة العامة في مصر كانت تحت ضغوط شعبية مهولة بعد الثورة لأجل محاكمة النظام وها هي اليوم تتسبب في مضاعفة الغضب الشعبي على نتائج المحاكمة نتاج وجود ثغرات قانونية في الادعاء المقدم منها بعد انقضاء المدة القانونية المطلوبة.

وكان من البديهي أن تكون هذه النقاط في ظروف طبيعية موضع مراجعة كاملة قبل تقديمها، ولكن النائب العام نفسه (وهو المعين من قبل حسني مبارك) كان مضغوطا أن يدفع بأي اتهامات وبأي طريقة ضد رموز النظام القديم وذلك لإبعاد الشبهات عنه.

وما إن نطق القاضي بالحكم حتى عجت القاعة بالفوضى العارمة من مجاميع تعترض وبشدة على الأحكام الصادرة. وانطلقت مظاهرات في أكثر من مدينة بمصر، وسرعان ما انطلقت التصريحات السياسية من القيادات الحزبية المختلفة لخطف الناس وتوظيف ردة فعلهم سياسيا، وكان من الطبيعي التوجه لميدان التحرير بأعداد كبيرة جدا وبدأت «المطالب» تردد على ألسنة «متحدثين» باسم الثورة وهي مسألة مبهمة يتصدى لها كل من هب ودب، وكان ترديد تنازل المجلس العسكري الأعلى عن الحكم لصالح مجلس رئاسي ثوري مشكل من الخمسة أشخاص الذين جاءوا بأعلى الأصوات في المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي عقدت.

وبينما كان حزب الحرية والعدالة قد خطف الأجواء وأثبت أنه المحرك لصوت الثورة واللعب بهذه الورقة واستعمالها سياسيا للقضاء على خصمه في مرحلة الإعادة من الانتخابات الرئاسية أحمد شفيق، جاءت هذه التصريحات الثورية لتهزأ من أهدافه وهي الوصول للحكم عن طريق الانتخابات الرئاسية التي يعتقد محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة على أنه يستطيع الآن حسم المعركة لصالحه لأن أحمد شفيق «سيتضرر» من الأحكام غير المستساغة شعبيا بحق مبارك وسيترجم ذلك كله لأصوات أكبر له.

ولكن مطالبات القوى الثورية الأخرى بمجلس رئاسي وإلغاء الانتخابات، مسألة غير مقبولة أبدا بالنسبة للإخوان المسلمين وحزبهم بالتأكيد، وبالتالي سيصطدم الحراك الثوري والشعبي الرافض للأحكام القضائية الصادرة بحق حسني مبارك وجماعته بالمشاريع والأهداف والتوجهات السياسية لكل طرف، مثبتا بشكل حقيقي أن «الثورة» هي في الواقع منقسمة جدا حين تطبيق التوجهات على أرض الواقع وأن الدافع الأول لكل طرف هو الوصول للحكم وليس الصالح العام للبلاد، وهي مسألة قد تدفع بالشرائح الاجتماعية المختلفة المصوتة لشفيق بشكل مفاجئ من أن تترجم هذا الحراك مجددا في صناديق الاقتراع طالما استمر المشهد الثوري فوضويا ومشتتا يبعث على الذعر والخوف بدلا من الطمأنينة في نفوس الناس.

حكم مبارك القضائي هو مرحلة انقضت قضائيا ولكن التبعات السياسية لا تزال مستمرة والأيام القليلة القادمة كفيلة بإظهار أثر ذلك على صناديق الاقتراع وذلك ضمن الجولة الأخيرة من سباق الرئاسة إذا لم تحدث مفاجأة مهمة تلغي هذا الحدث.

[email protected]