الكرم والحصافة هما سر التقدم

TT

بينما أخط هذه السطور الأسبوع الحالي، نستمتع بالأيام الأربعة الأولى من الاحتفالات باليوبيل الماسي لجلالة الملكة إليزابيث الثانية، وعندما ستكون تلك السطور بين أيديك، سنكون اقتربنا من مشاهدة انقضاء احتفالات نهاية الأسبوع التي تعد بمثابة شكر للملكة على ما قدمته من خدمات جليلة للبلاد على مدى الستين عاما الماضية، وستمتد احتفالات الجميع في مختلف أنحاء البلاد إلى ما بعد نهاية الأسبوع وسيكون هناك فرص كثيرة للمشاركة في الاحتفالات التي تشمل فعاليات تعاونية، وسيمثل هذا فرصة سانحة للاستراحة من قلق وهموم الحياة اليومية في وقت يعاني فيه الاقتصاد حالة من عدم اليقين.

في مثل هذه الأوقات العصيبة، من المطمئن ملاحظة مستوى الأعمال الجيدة التي يقوم بها الناس والتي لا تزال عند مستوى مرتفع وتعد من السمات الهامة المميزة للمجتمع المتحضر، على الشخصيات التي تتمتع بنفوذ القيام بما تستطيع للمساعدة في توفير فرص للشباب، فمستقبلنا يعتمد على ذلك، غالبا ما لا يلاحظ ما بذلته الأسرة المالكة البريطانية من جهد كبير في هذا الشأن، وأقام الأمير تشارلز، أمير ويلز، مؤسسة خيرية عام 1976 هي «صندوق الأمير»، وسيصبح عمر الصندوق خلال العام الحالي 35 عاما، ويدير الصندوق عددا من البرامج التدريبية ويوفر التوجيه والمنح المالية لبناء الثقة وتشجيع الشباب من الفئات المحرومة، لقد أنشئ هذا الصندوق من أجل مساعدة الشباب على تخطي العوائق وبداية الحياة العملية.

ويساعد الصندوق من خلال الدعم العملي بما فيه التدريب والتوجيه والمساعدة المالية شبابا تتراوح أعمارهم بين 14 و30 عاما في تحقيق أحلامهم وإحداث تحول في حياتهم، ويركز الصندوق جهوده على الشباب المتعثرين في الدراسة أو في دور الرعاية أو يعانون من البطالة منذ مدة طويلة أو يواجهون مشكلات قانونية، مانحا إياهم فرصة ثانية في الحياة، ومد الصندوق منذ عام 1976 يد المساعدة إلى ما يزيد على 60 ألف شاب ويدعم إضافة إلى ذلك مائة شاب يوميا، والتحق أكثر من 3 بين كل أربعة شباب ساعدهم الصندوق العام الماضي بعمل أو دراسة أو برنامج تدريب. من الرائع أن نرى مثل هذا التعامل مع المشكلات.

وتم إنشاء مؤسسة أخرى عام 2000 هي «شبكة الأمير الدولية لعمل الشباب» التي تضم برامج تساعد الشباب المحروم على أن يكون له مشروعاته الرائدة الخاصة من خلال توفير التوجيه والإرشاد والمال في مجال العمل، ومن الضروري أن يحظى الشباب بفرصة تأسيس مشروع خاص بهم، ويمكن للشباب أن يقيم مشروعاته التي توفر فرص عمل وتمثل إسهاما في التنمية الاقتصادية. الشبكة واسعة، فعلى سبيل المثال يعد صندوق المئوية من شركاء الشبكة في المملكة العربية السعودية، وقد تم إنشاء ذلك الصندوق عام 2004 وكان هو أول شركاء «شبكة الأمير الدولية لعمل الشباب» في المملكة العربية السعودية، وهناك تغطية للصندوق في المملكة العربية السعودية، لكنه يركز 70% من موارده في المناطق الريفية والمدن الصغيرة. ولدى الشبكة شركاء في أفريقيا والأميركتين وآسيا وجزر المحيط الهادي وأوروبا أيضا.

ويقوم كل برنامج محلي على 3 مبادئ مشتركة، الأول هو دعم الشباب الذي تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما ممن لديهم أفكار مشروعات لا يمكنهم الحصول على المساعدة من أي جهة أخرى، الثاني هو تقديم المال اللازم لبداية مشروع في شكل قرض من دون ضمانات، والثالث هو توفير موجه متطوع للشباب الرائد وفرصة الاتصال بشبكات العمل، وتساعد المبادرات التي تتبناها «شبكة الأمير الدولية لعمل الشباب» الشباب على إقامة وتطوير مشروعهم الخاص وتوفير فرص عمل، وبعيدا عن أن نهاية الأسبوع الحالي ستشهد الاحتفالات في جميع أرجاء بريطانيا، لماذا أذكر دعم الشباب الآن؟ تجعل روح الجماعة التي سادت نهاية الأسبوع الحالي في بريطانيا المرء يفكر في ورطات ومشكلات الآخرين.

أؤكد منذ وقت طويل على أن المشروعات الصغيرة هي محرك التنمية الاقتصادية، ففي كل دولة تقريبا حول العالم توفر المشروعات الصغيرة أغلب الوظائف، ومن الضروري تمكين الشباب من إنشاء مشروعات يمكنها أن توفر فرص عمل ومنتجات أو خدمات جديدة مبتكرة وتمنح الأعمال الأخرى فرصا للتجارة، عادة ما يفتقر الشباب إلى المال اللازم لإقامة مشروعهم الخاص، 40% من إجمالي العاطلين عن العمل حول العالم من الشباب، ومن المرجح أن يصبح العاطلون من الشباب 3 أمثال العاطلين من البالغين، ونشهد في أوروبا مستويات مخيفة من البطالة بين الشباب، لكننا لسنا وحدنا، حيث يواجه سكان بعض الدول ذات الاقتصاد النامي في الشرق الأوسط مشكلات مشابهة، وربما تخبرنا أزمة الديون العالمية بأن وقت التحول في الإطار الفكري قد حان، فربما نكون في حاجة الآن إلى التعاون بمهاراتنا وزيادة دعمنا للشباب.

من الأمور التي تذكرنا الأسبوع الحالي بالصعوبات التي يواجهها البعض سؤال كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، عما إذا كانت تشعر بالقلق من التأثير الاقتصادي والاجتماعي للتقشف في اليونان، وإجابتها بالنفي، مشيرة إلى أنها تركز تفكيرها على أطفال في مدرسة في قرية صغيرة في النيجر لا يحصلون سوى على ساعتين من التعليم يوميا، ويتقاسم كل 3 منهم مقعدا واحدا، ومع ذلك فإنهم حريصون أشد الحرص على التعليم، وقالت: إن هؤلاء يشغلون بالها طوال الوقت لإدراكها حاجتهم إلى المساعدة أكثر من شعب أثينا، يا لها من حجة عميقة ومثيرة للجدل، حيث أثارت بالأساس غضب السياسيين الذين هم سبب المشكلات، وهناك جانب أهم لحجة لاغارد، وهو غياب المساواة في العالم وعدم تمتع الناس في بعض الدول بحقوقهم.

في وقت الأزمات نحتاج جميعا إلى القيام بالكثير مقابل القليل من أجل الآخرين، لقد قضيت أول 3 أيام من الأسبوع الحالي في سكرتارية الكومنولث في بول مول في لندن منخرطا في برنامج دولي يبحث في إمكانية تحقيق الشراكة بين القطاعين العام والخاص في حال تراجع القدرات المؤسسية، كثيرة هي الصعوبات التي تواجهها بعض الدول الناشئة، لكن ليس هذا مبررا للهروب منها، ويجب التفكير في طرق استثمار جديدة والمشاركة بالتجارب والمعرفة حتى يتحقق لتلك الدول مستقبل مستدام.

يشمل الحل تطوير قطاع خاص قوي ومنفتح، في ظل اقتصاد دولي هش ما زالت المطالب العامة فيه تفوق قدرات الحكومة المالية، ربما يكون من المستحيل عمل كافة التغييرات المؤسسية قبل تحقيق التنمية، لذا من المنطقي النظر جيدا في كيفية التعاون بين القطاعين العام والخاص فيما يتعلق بالترتيبات المؤسسية التي من المفترض أن تعتمد على تحديد سمات ونقاط قوة كل قطاع منهما، ويمثل ذلك فرصة لتعديل مفاهيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل توفير فرص جديدة كثيرة، ورغم امتلاكنا الآن لمجموعة كبيرة من الخبرات في عدد من الدول وكثير من الأدبيات، أعتقد أننا لم نقم حتى هذه اللحظة بالبحث الكافي لعمل تقييم حاسم لصلاحية هذه الترتيبات، إضافة إلى ذلك يجب أن نحافظ على الالتزام المالي في كافة الدول، وقد ظهر ذلك في سوق السندات خلال الأسبوع الحالي، ومع تزايد أسعار الفائدة على ديون إسبانيا، شهدت بريطانيا تدنيا غير مسبوق لأسعار الفائدة، حيث انخفضت العائدات على السندات ذات الأجل 10 سنوات إلى 1.67% مما يوضح ثقة المستثمرين في قدرة بريطانيا على التعامل مع الديون.

وأظهر الآيرلنديون خلال الأسبوع الحالي حصافة عندما صوتوا بالموافقة على الاتفاق المالي الأوروبي، وقال رئيس الوزراء، إندا كيني، إنه أرسل «إشارة قوية» بالتزام آيرلندا بتجاوز التحديات الاقتصادية، مؤكدا أن هذه الخطوة لن تحل كل مشاكل البلاد، لكنها واحدة من الدعائم الكثيرة اللازمة لضمان استقرار الوضع الاقتصادي الآيرلندي في المستقبل، ومن شأن الخطوة أن تمكن الاستثمارات من توفير فرص عمل وكذلك تتيح لآيرلندا الحصول على المال من برنامج آلية الاستقرار الأوروبي في حال ما إذا احتاجت إلى ذلك، نحن بحاجة إلى المزيد من العقل والكرم والمزيد من الدعائم الإيجابية من أجل التغلب على المشكلات المالية التي يواجهها العالم في أقرب وقت.

* جون ديفي أستاذ

زائر بكلية إدارة الأعمال بجامعة لندن متروبوليتان ورئيس «ألترا كابيتال»