الأول والثاني في مصر

TT

في انتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة كان الفرق بين الرئيس الفرنسي الجديد هولاند وسابقه ساركوزي في عدد الأصوات لا يزيد على 3 في المائة، وقبل الفرنسيون رئيسهم الجديد، وفي انتخابات الرئاسة الأميركية قبل فترة بوش الأولى كان الفارق ضئيلا للغاية مع منافسه الديمقراطي آل غور إلى الدرجة التي اضطرت الأميركيين إلى الذهاب إلى المحكمة العليا لحسم النتيجة بفارق ضئيل للغاية بعدها بأسابيع، وقبل الأميركيون رئيسهم الجديد الذي استمر دورتين (8 سنوات)، وهي مسألة عادية في الكثير من الديمقراطيات الغربية الرئاسية التي يأتي فيها الرئيس بفارق ليس كبيرا عن منافسه.

مصر قد تدخل في تجربة مماثلة بعد جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة الحالية التي يتنافس فيها محمد مرسي مع أحمد شفيق، أو الأول والثاني بالترتيب في الجولة الأولى بفارق ضئيل يصل إلى نحو 200 ألف صوت، فهناك انقسام كبير والترجيحات أن الفائز قد يحصد أغلبية ضئيلة بفارق ضئيل عن منافسه، إلا إذا حدثت مفاجأة ومال الرأي العام بقوة أكبر ناحية مرشح على حساب الآخر. لكن، إذا أخذنا الاحتمال الأكبر وهو الفوز بفارق ضئيل، يكون السؤال مطروحا ماذا سيفعل الفريق الخاسر، خاصة أن مصر ليست أميركا أو فرنسا، وليست هناك سوابق لذلك، وحالة الاستقطاب شديدة، هل سيقبل الخاسر النتيجة وينتظر 4 سنوات أخرى، أم سيرفضها لتدخل البلاد في دوامة جديدة من الصراع؟

حالة الاستقطاب واضحة الآن وقبل الجولة الثانية التي بدأت بالفعل بتصويت المصريين في الخارج، فالاحتجاجات والعودة إلى المظاهرات بعد محكمة مبارك جزء كبير منها سياسي ومتعلق بنتيجة الجولة الأولى، وبرزت أفكار ومطالبات يجري تداولها حاليا من قبل القوى أو المرشحين الذين خرجوا من الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، تتعلق بتشكيل مجلس رئاسي يستبق الجولة الثانية أو يكون أشبه ببديل عما يمكن أن تأتي به صناديق الاقتراع في لحظة استقطاب حرجة في المسيرة السياسية بعد 25 يناير.

ولا يبدو أن حظوظ هذه الفكرة كبيرة، وكلام الإخوان المسلمين عن عدم واقعيتها صحيح، وكذلك حديث عمرو موسى - وهو أحد المتنافسين على الرئاسة الذي خرج بعد الجولة الأولى - سليم عن أنها إجهاض للتجربة الديمقراطية، باعتبار أنه سيكون مجلسا غير منتخب، فضلا عن أنه يضع الجميع في مأزق سيبقى مستمرا حول من أين تأتي الشرعية، من الميادين، أو صناديق الانتخاب إذا كانت الإرادة حرة، فضلا عن أن النخبة السياسية يجب أن تفكر في ماذا عن الـ25 أو 26 مليونا الذين ذهبوا للصناديق وأغلبيتهم لأول مرة في حياتهم، وهل يمكن إقناعهم بالذهاب مرة أخرى إلى انتخابات مقبلة إذا رأوا أن إرادتهم يجري تجاهلها وكأنهم لم يفعلوا شيئا.

قد تكون النتيجة التي جاءت بخيارين هما مرسي وشفيق بالترتيب للحسم في الجولة الثانية، لم تعجب كثيرين كانوا يفضلون أن تعكس انتخابات الرئاسة التي انتظرها الجميع بعد مسيرة صعبة ومتعثرة حقيقة التغيير الذي حدث بعد 25 يناير، لكن العود للخلف أو قلب الطاولة بعد أن نزل الجميع إلى الملعب وقبلوا بشروط اللعبة ليس حلا، ونتيجته ستكون عودة الناخب الذي تحمس للتجربة إلى السلبية من جديد، فطالما سار القطار إلى محطة انتخاب الرئيس ينبغي السماح له بمواصلة مساره مع وضع الشروط والضمانات اللازمة حتى تكون المرحلة الانتقالية الجديدة أقل تعثرا وأكثر سلاسة، ولعل أهم هذه الشروط هي الحفاظ على مدنية الدولة وتساوي كل المواطنين في الحقوق والواجبات من دون تمييز أيا يكن الفائز.

وإذا كان الفائز سيأتي بأغلبية ضئيلة عن الذي سيحل ثانيا، فإنه ينبغي أن يكون هناك دفع في اتجاه تغليب مناخ المصالحة بين الفريقين المتنافسين والتعاون بينهما، فلن يستطيع أي طرف أن يلغي الآخر كقوة موجودة في المجتمع، كما لا يجب الوقوع في أسر الأفكار الانتقامية التي لا تبني دولا، فالخلاف السياسي لا يعني تقسيم المجتمع ونفي كل طرف للآخر، وأيا يكن الرئيس المقبل فإن تقوية المؤسسات وإصلاحها والفصل بين السلطات هو الذي يحفظ كيان الدولة ويسير بها إلى الأمام.