أيام ذهبت دون رجعة

TT

أزعم أنني من أبعد عباد الله عن التعصب، فأنا على كامل الاستعداد والتأهب للمصافحة والعناق مع كل أصحاب الطوائف والمعتقدات والأجناس والأنواع سواء من البشر والحيوانات والنباتات والجمادات، أو حتى من (الجن الأزرق).

لهذا (طفقت) طوال عمري - حلوة كلمة (طفقت) هذه فقد أعجبتني ولا أدري من أي (قاموس) أتيت بها - أقول لهذا طفقت طوال عمري أو حياتي أبحث عن التعارف والصداقات والمحبات، وأبحث عنها حتى في (أذناب الكلاب).

وأذكر أيام دراستي في بلد أوروبي أن عقدت صداقة مصلحية وغير متكافئة مع بائع عملات يهودي عجوز، وكلما تأخر عليّ مصروف البعثة كنت ألجأ إليه لكي يقرضني، وهو والحق يقال لم يكن يتأخر أبدا، وكل ما كان يفعله قبل أن يعطيني النقود أن يطلب توقيعي على السند مع حسابه للفائدة أو العمولة المترتبة عليّ عند السداد. وتطورت العلاقة بيننا إلى الحد الذي كان يدعوني فيه إلى منزله، وتعرفت على زوجته وابنته الجميلة العرجاء، التي كانت على جانب كبير من الثقافة والأخلاق الحميدة، وكثيرا ما كنت أخرج معها للتنزه في الحدائق العامة ونتطارح الآراء في كل ما هو مفيد وغير مفيد، وأكثر ما كان يغيظني هم زملائي الذين كانوا ما إن يشاهدوني حتى يقولوا: «جاء صاحب العرجاء، ذهب صاحب العرجاء». المهم بعد أن تراكمت الديون عليّ من كثرة الاقتراضات والعمولات، شرحت له حالي فأعفاني ذلك اليهودي الطيب من ردها نقدا، واستبدل بذلك أن أسددها من إعطائي له بعض لوحاتي التي كنت أرسمها من دون مقابل، وهكذا خلصنا وانتهينا حبايب.

وفي ذلك الوقت أيضا تعرفت على (قسيس) رائع، وتحولت تلك المعرفة مع الوقت إلى صداقة، وبحكم علاقاته ومركزه فقد استطاع أن يتوسط لي بدخول (الفاتيكان)، وطفت معه في كل أرجائه جميعا، ولم يبق سوى غرفة نوم (البابا) التي لم أستطع الدخول إليها، وهذا هو الشيء الوحيد الذي تحسرت عليه.

وعرفت منه معلومة لم تكن تخطر على بالي، وهي أن (البابوية) كانت تنتقل بالتناوب بين فرنسا وإيطاليا، ردحا من الزمن، إلى أن استقرت أخيرا في إيطاليا وحدها. وعرفت منه أنه في سنة (1100) صعد إلى كرسي (البابوية) أحدهم وحكم (الكنيسة الكاثوليكية) أكثر من ثلاثين عاما، وعندما مات اكتشفوا يا للهول أن البابا لم يكن رجلا، وإنما كان امرأة خدعت القوم طوال هذه الأعوام، لهذا أصدروا قرارا بأن يكون الكرسي الذي يجلس عليه البابا مفتوحا من الأسفل بفتحة قطرها (30 سنتيمترا)، لكي يتيقنوا من أعضائه عندما تسقط من تلك الفتحة، خوفا من أن تتكرر تلك الخديعة التي أوقعتها بهم تلك المرأة التي كانوا يقبلون يديها ليل نهار على أساس أنها البابا، واستمروا على ذلك المنوال أو التقليد حتى سنة (1800)، وبعدها أغلقوا تلك الفتحة، واليوم يجلس البابا معززا مكرما على كرسي (SOLID) من دون أي فتحة، ولقد شاهدت بأم عيني ذلك الكرسي المفتوح الذي لا يزال معروضا في متحف (اللوفر) بباريس، ومن أراد أن يتأكد من كلامي فليذهب إلى هناك.

كانت أياما حلوة شطحت فيها ومرحت و(قطّعت السمكة وذيلها)، ولم أحرم نفسي من شيء إلا واقترفته، لكنها ذهبت دون رجعة، وأدعو الله أن يعوضني خيرا منها، فهناك احتمال (50 في المائة) أنه لا تزال في العمر بقية.

[email protected]