الملكة إليزابيث الثانية عهد من الالتزام بأداء الواجب

TT

لقد قابلت جلالة الملكة مرة واحدة في قصر سانت جيمس في اجتماع دبلوماسي كنت أحضره بصفتي زوجة وزير خارجية وهي تعد وظيفة بدوام جزئي. وفي مناسبة أميركية مماثلة، وهي الحفل الذي يقيمه الرئيس سنويا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، كان الدبلوماسيون الأجانب يقفون في صف ويصافحون الرئيس ويلتقطون معه الصور التذكارية، ثم سرعان ما يتم إرشادهم إلى مقاعدهم. على الجانب الآخر، تشبه مقابلة الملكة حفل كوكتيل، حيث تقف ضمن مجموعة صغيرة مكونة من أربعة أو خمسة أشخاص يشبهونك، إضافة إلى «حارس» من وزارة الخارجية البريطانية، وتمسك بمشروب، بينما تنتظر الملكة وهي تتهادى. إنها تدخل الغرفة وتنتقل من مجموعة إلى أخرى. ويعرفها الحارس في كل مجموعة بالشخصيات رفيعة المقام الحاضرة ودائما - نعم دائما - ما تفكر في شيء لتقوله مثل: «نعم، لقد استمتعت بزيارتي إلى النرويج العام الماضي»، أو «أتطلع إلى مقابلة رئيس وزراء دولتكم الشهر المقبل». البعض ينحني احتراما لها، لكني لم أفعل، لكن ليس هذا بسبب مشاعري الأميركية الثورية، بل لأنني نسيت ذلك في خضم حماسي بتقديمي إلى سيدة ضئيلة الحجم ترتدي نظارات لا تتبع آخر صيحات الموضة وزيا عتيقا من الحرير الفاتح.

واحتفلت الملكة خلال نهاية الأسبوع الماضي بالذكرى الستين لجلوسها على العرش. عام 1952 وهو العام الذي توفي فيه والدها، كان ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك. ومنذ ذلك الحين، أصبحت رأس الدولة، في الوقت الذي تبدل فيه عدد كبير من الحكومات. خلال تلك الفترة حكم البلاد قادة حزب المحافظين من تيار اليمين وحزب العمال من تيار اليسار، ومن بينهم هارولد ماكميلان، وهارولد ويلسون، ومارغريت ثاتشر، وتوني بلير.

لم تكن الملكة تروق بعضهم آنذاك. وفي لحظة حزن أعقبت وفاة زوجة ابنها، الأميرة ديانا، لم تكن هي أو عائلتها تتمتع بأي شعبية، لكن كل هذا أصبح من الماضي، حيث بدأت احتفالات اليوبيل الماسي، ومن العجب أن تخلو من حس السخرية الذي يتسم به البريطانيون. وأعتقد أن أندرو سوليفان، هو الذي وصف بريطانيا يوما ما بالدولة التي «يتحدث فيها الجميع وكأنهم يضحكون على أمر ما، أو على الأقل يتراجعون عن قول أمر كانوا على وشك الإفصاح عنه». لا أسمع أيا من هذا التراجع الساخر خلال الأسبوع الحالي في صوت صديقي المصرفي الذي تساءل عما إذا كنت أشاهد عرض الزوارق المقام «تكريما لملكتنا العظيمة». وكذلك لا يتضح في تيار اليسار أيضا، حيث تمتلئ إصدارات مناهضة للملكية، مثل صحيفة «الغارديان»، خلال الأسبوع الحالي بسيل من المقالات عن «العصر الإليزابيثي الجديد»، فضلا عن الكثير من التفاصيل الخاصة بالعربة التي ستستقلها الملكة خلال احتفالات اليوبيل الماسي يوم الثلاثاء. التحمس الجديد تجاه الملكة له علاقة بأحفادها حسني الطلعة وزوجة حفيدها الجديدة، ويتعلق هذا إلى حد ما بالتواضع، فأحيانا الابتعاد عن الإعلام يجذبه، وإلى حد بعيد بانقضاء الوقت. يربط الناس حاليا الملكة وعائلتها بلحظات محددة من حياتهم وتاريخهم المشترك. إنهم يتذكرون أين ومتى سمعوا أن الأمير تشارلز ولد أو توفيت والدة الملكة. إنهم يتذكرون ما الذي كانوا يفعلونه خلال اليوبيل الفضي. إنهم يشعرون بالحنين إلى الماضي من خلال الملكة؛ لأنها تمثل لهم رابطا يعيدهم إلى فترة طفولتهم وشبابهم. الأهم من ذلك هو أن الملكة أصبحت تجسيدا لفكرة نادرة الوجود عن الواجب يعجب بها الكثيرون في بريطانيا وخارجها، فقط من خلال بقائها على قيد الحياة طوال هذه المدة.

إنها لا تتنحى ولا تشكو ولا تتحدث إلى الصحافة ولا تحتج عندما ينشرون رسوما كاريكاتيرية مسيئة لها أو يقولون عن عائلتها أشياء بغيضة. لقد داومت طوال الستة العقود الماضية على حضور الفعاليات الخيرية وجمع التبرعات لقضايا نبيلة وتمثيل بريطانيا عندما يطلب منها ذلك، ومقابلة رؤساء وزراء بريطانيا وكندا وأستراليا وغيرهم بشكل دوري، وحضور كل الاحتفالات الرسمية، والظهور بالمظهر الذي يفترض أن تظهر به، والتفكير دوما في قول شيئا ما.

قد تكون الملكة شخصية مثيرة للإعجاب، حيث يوجد اختلاف في الآراء بهذا الشأن، لكن هذا لا يهم، حيث لا يفترض أن تكون كذلك، بل يفترض أن تكون صامدة ومتسقة مع ذاتها ووطنية، وهي كذلك بالفعل. في النهاية، الملكة واحدة من شخصيات عامة قليلة يمكن الثقة دوما في قدرتها على السيطرة على مشاعرها. لقد اعتادت على السخرية منها لتيبس شفتها العليا، لكن انتهى ذلك، حيث بات وجهها الذي لا يحمل أي تعبير، وابتسامتها المعهودة الموجهة للعامة، ومظهرها الرسمي، محل ترحيب في عالم مليء بكتب تتناول علاقات المشاهير الجنسية وكتاب المذكرات الحاقدين الساعين للانتقام والاعترافات التلفزيونية. المشهد العام مفعم بالكثير من المشاعر في هذه اللحظة، ومن الباعث على الارتياح الاطمئنان إلى قدرة واحد من المشاهير على الأقل على عدم إظهار أي من هذه المشاعر أبدا.