وفضائية تلفزيونية أميركية! (2 ـ 2)

TT

الحكومة الاميركية في سعيها لتحسين علاقتها بالعرب، تسعى لتأسيس محطة فضائية. فقد قيل لها ان هذا هو الحل الوحيد لمجابهة موجة الكراهية الدائمة ضدها والتي انتجت تدمير طائراتها في السبعينات وهجمات الحادي عشر من سبتمبر المدمرة في واشنطن ونيويورك. وحلا لهذه العقدة يتزعم السيناتور جو بايدن حملة لتأسيس محطة فضائية اميركية بالعربية توجه لنا وتنصحنا. وأنا وإن كنت ضد المحطة الفضائية او أي وسيلة اعلام حكومية، فانني لست ضد التواصل. فالعرب يبالغون كثيرا في لوم الاميركيين، والاميركيون بدورهم ينتظرون من العرب ما هو غير معقول مثل ترك ارضهم محتلة. هذه المسافات البعيدة تتطلب تواصلا. وهذه المسافة الضائعة يستطيع ان يملأها عرب صادقون يريدون علاقة حسنة، واميركيون مستعدون للمساهمة في سلام المنطقة واستقرارها.

وفي هذا الاطار قرأت اقتراحا طرحه الامير طلال بن عبد العزيز رئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية يقول فيه بضرورة تنشيط الحوار المجتمعي الجاد، وجها لوجه لا عبر الوسائط الاخرى. ويقترح ان تشكل وفود عربية من منظمات اهلية واحزاب سياسية ومثقفين بارزين عرب لمواجهة ومناقشة وايضاح ما غمض على الجانب الاميركي. وفكرة الحديث المباشر جيدة، بل هي الحل الاساسي وان كانت تفاصيل تشكيلها معقدة جدا، لأن ما يصدر عن كثير من هذه الاطراف العربية لن يعيننا على اختصار المسافة مع الاميركيين، بل قد يزيدها بعدا. وحتى يكون الحديث معقولا ومقبولا لا بد ان تبدأ تجاربه الصوتية داخل المعسكر العربي اولا حتى نسمع صدى ما نقوله قبل ان يسمعه غيرنا. فمحاولة تحميل الاميركيين كل مشاكلنا لن تجد تعاطفا لأننا مسؤولون عن عجزنا وتقصيرنا، مسؤولون عن هزائمنا العسكرية والسياسية والاقتصادية. ايضا يفترض ان نتفهم ان كل تجمع مضطرب في العالم يتوقع من الدولة العظمى اهتمامها، سواء كان اهله كوريين او اكراداً او كشميريين او تاميل سري لانكيين او تبتيين او سيراليونيين او كولومبيين او كوسوفيين او عربا او غيرهم. انه امر مستحيل ان تفي وتقسم دولة انتباهها مهما كانت عظمى.

من مصلحة العرب ان توجد لهم علاقة جيدة مع الولايات المتحدة، فهي الاكثر تأثيرا على احداثهم. ويوجد فيها تجمع عربي واسلامي كبير يزداد عددا ونفوذا بما لا يمكن مقارنته مع اي دولة اخرى، وقوانينها تسمح لهم بالعمل السياسي والمنافسة مع القوى الداخلية الاخرى. ومن اجل تصحيح العلاقة، من مصلحة العرب ايضا التخلص من ارث الفكر اليساري العربي الذي يهيمن على منطقتنا والذي يجعلها تناصب العداء على العمى مع الاميركيين، مما يسهل على الموالين لاسرائيل ضرب المصالح العربية. ان محاولة تجسير الهوة بين الطرفين العربي والاميركي هي في صالح العرب ايضا لكن يفترض بناء هذا الجسر ليس من خلال اذرع حكومية بتأسيس محطات فضائية، بل من خلال العمل الشعبي المدعوم حكوميا.