إيش أصابك؟ سيدو

TT

عرفت رجالا كثيرين يتحدثون في يومياتهم ما هو خليط من العامية والفصحى، يحاولون تهذيب الاولى ما استطاعوا وتطويع الثانية. ويكون المزيج مقبولا وجميلا. وعرفت رجلين لم اسمعهما يتحدثان العامية لحظة واحدة: الاستاذ أحمد محمد النعمان، أديب اليمن وشيخ ظرفائها، والدكتور أحمد صدقي الدجاني، السياسي الفلسطيني المتكرس. وقد جاء الدكتور الدجاني مرة الى محاضرة ومعه ابنه، فقلت ماذا يفعل المحروس هذه الايام؟ وتوقعت جوابا بالعامية لا مفر منه في مثل هذا الموقف، فأجاب: «بعدما انتهى من التدرج في العلم المصرفي ها هو الآن يتدرج في العمل المصرفي».

بقدر ما تليق الفصحى لأهلها، او للروايات التاريخية التي تعرض هذه الايام، بقدر ما تبدو مضحكة واحيانا مهينة في المسلسلات الاجنبية، مكسيكية او سواها. وما زلت اذكر من الماضي فيلما لجون واين يدخل في احد مشاهده الى صالون لرعاة البقر، وقبل ان يطلق النار على الجميع ويقتلهم دفعة واحدة، يقف هاتفا: «ايها الاشرار، ايها الملعونون، لن ادعكم تذهبون الى مدينة دودج. الويل لكم يا اوغاد».

قالت العرب الوغد في الرجال هو العيي. ومن مقلوبه الغيداء، أي التي في عنقها لين ـ ومن مقلوبه دغة وهو اسم رجل (وفي رواية امرأة) احمق. ودغاة جبل من السودان في جزيرة البحر. وباب الغين (لبارع في اللغة) عند العرب وسيع. والغين والغيم واحد هو السحاب. ويقال نغيت الى فلان أي حدثته ـ ومقلبوها غناه الله واغناه.. ويقال للمئة من الضأن الغنى، بكسر الغين.

وفي بابه يقال قد غارهم الله بخير فهو يغيرهم غِيرًا اذا اصابهم مطرا واصابوا خصبا. وقال الخليل الغور تهامة وما يلي اليمن. وغور كل شيء يعد قعره. ونحن في المشرق نقول غور ييسان، وهو في فلسطين، وله قصائد عند عبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب. وييسان مكتبة في رأس بيروت. ومن أجمل الشعر هذا البيت الذي نسيت قائله:.

هل الدهر إلا ليلة ونهارها - وإلا طلوع الشمس ثم غيارها؟.

اوغاد، قال جون واين في نسخته العربية. وفي المسلسلات المكسيكية يقول السنيور لوييز للسنيورة دومنغيز: «دعيني من ابنك ريكاردو هذا، فهو يا خالة اروغ من ثعلب». ما افصح السنيور لوبيز عندما يتحدث مثل طرفة بن العبد. هل الفصحى ضرورية دائما؟ انا الذي تصيبني الدعوة الى «اللغا اللبنانيي» بالجدري والغثيان اجد احيانا ان الفصحى تقع في غير مكانها بشكل نافر هي ايضا كما يحدث في فيلم مصري يتجادل في احد مشاهده خادم وخادمة على سطح منزل مخدومهما. فتضع الخادمة يدها على خاصرتها وتقول: «احذر يا حسنين فانهم قد ينشرون قصتنا على السطوح». ووجدت لدهشتي ان أبا العلاء المعري عندما كان يضطر كان يلجأ الى العامية. وهو امر لم يحدث طبعا لا مع الأستاذ النعمان ولا مع الأستاذ الدجاني. ويروى ان شاعر المعرة شاهد صديقا له في باحة المسجد يرتجف من كثرة العاطفة عندما التقى فجأة مواطنا له من أذربيجان فقال له «ايش اصابك»، ولا ندري اكان ذلك بلهجة أهل حلب أم أهل الغوطة ام بلهجة المعرة الواقعة في منتصف الطريق.