الشعراء في إخوانياتهم

TT

أشرت في الحلقة السابقة من هذه السلسلة الاخوانية إلى شيوع الشعر الاخواني في اللهجات العامية المحلية، واستشهدت بما قاله الشيخ خزعل والشيخ غضبان البنية ومشيمس الأسدي والحاج زاير في هذا المجال. الواقع ان الشعراء الشعبيين من اكثر المولعين بهذا النوع من الأدب لما ينطوي عليه من حرية القول بعيدا عن متطلبات الاحترام وقيود اللغة، مما لا بد ان يلاحظه بدقة شعراء الفصحى. جرائد الأدب الشعبي مليئة بهذه النماذج من الشعر.

كان من هذه المساجلات الطريفة ما جرى بين الحاج جودي، القهوجي المعروف في مدينة الكوت على نهر دجلة، والشاعر الشعبي الشهير في العراق، الملا عبود الكرخي، كان الحاج جودي قد نشر في جريدة بغداد عام 1932 قصيدة يلاطف بها الكرخي بعنوان «عبود منك ممنون»، لم يجد الكرخي غير أن يرد على الصاع صاعين، فاستفسر عمن يكون هذا القهوجي الشاعر، الحاج جودي، فوصفوه له بشارب طويل كثيف يعتزّ به، وكأي رسام كاريكاتيري فاضل، أمسك الكرخي بشوارب هذا الرجل وراح يسخر منها في الإطار الاخواني بين الشعراء، فقال:

* يا حاج جودي يا عتر - يا الشاربك طوله متر

* ثخنه جمع عرضه شبر - يشبه ذيل البزون

* يا قهوجينا يا قزم - بالجسم والشارب ضخم

* توجه علينا هالشتم - ما تخاف من الله يكون؟

* بطيبه وزمزم والحرم - وشواربك اعظم قسم

* عندي حضرتك محترم - كل الخلايق يدرون

* بعد أن طمأنه عن حسن نيته واحترامه له، مضى ليدغدغ جوانبه بهذا المزاح البريء:

* يا أشقر الشارب أظن - من ثقلهن حامل حزن

* عندك شوارب للسفن - بيها حبال يجرون

* خذ نصحي يا أحمر بوز - يا مشورب ويا قزموز

* زينها بأول تموز - وهدها بأول كانون بالصيف حتما تأذيك - وعن مشتريتك تلهيك

* بفصل الشتاء اتدفيك - وحملك أخي شويه يهون

* يا حاج جودي يا أغر - يا الشاربك مثل الوتر

* عند الشبيبه بالنظر - انت خرافي ومجنون تعرض شاعر شعبي آخر للكرخي عام 1924، فرد عليه بقصيدة هجائية ساخرة، لمح فيها إلى سرقة افكاره من الشعراء الآخرين فقال:

* يندعي بالبصرة شاعر مبتكر - عبقري فنان في نظم الشعر

* هذي في دعواه والداعي سمعت - من بعض ابيات يتلوها همت

* راجعت ديوان شوقي فتشت - واذن مسروقة من شاعر مصر

* ثم راجعته لماذا تفتري؟ - فأجاب انظر واسمع مخبري

* أخذ يقرا واذن للبحتري - احسن الابيات تكتب بالتبر

* فأجبته يا أخي يا كبولي - هذي سرقه ارجوك لا تقراها لي

* اخذ يقسم بالنبي وبكل ولي - هذا شعري وقط ابد ما يعتذر