وقف البث يقوي النظام

TT

كان مراسل التلفزيون الرسمي السوري يتحدث على الهواء مباشرة من مدينة حلب حين فاجأه أحد المارة بالهجوم عليه وضربه بحذائه صارخا في وجهه «الإعلام السوري كاذب» ليلوذ بعدها الشاب بالفرار تاركا المراسل مذهولا ومتلعثما.

المشهد كان منقولا مباشرة على الهواء بحيث لا يمكن للقناة الرسمية تفادي حدوثه.

هذه الحادثة، وللمفارقة، جاءت بعد ساعات من اجتماع وزراء الخارجية العرب الذين دعوا من ضمن قرارات نادوا بها إلى وقف بث جميع القنوات الفضائية السورية الرسمية وغير الرسمية وطلبوا من إدارة الأقمار الصناعية «عرب سات» و«نايل سات» تنفيذ ذلك.

كان المراسل السوري الذي أصابه الشاب يتناول في تغطيته تداعيات القرار العربي.

ولعلنا هنا نحتاج لأن نتأمل أكثر في هذا القرار بعيدا عن اغتباط كثيرين بحجب القنوات الرسمية السورية وبحذاء الشاب الحلبي في وجه أحد مراسلي وسائل إعلام النظام.

بعد قرار الوزراء العرب، نجد أنفسنا أمام سؤال يبدو أزليا: هل بالمنع والحجب نحل مسألة كذب النظام السوري ودعايته وافتراءاته.

لنسترجع قليلا كيف كان أداء النظام خلال عمر الثورة السورية، خصوصا أن الإعلام السوري شكّل إحدى أضعف وسائل المواجهة التي اعتمدها النظام.

لقد راهن النظام عبر إعلامه على استراتيجية التضليل والكذب فلم يتوان عن استخدام أي حجة، من فجاجة القول إن جموعا من السوريين تظاهروا شكرا للمطر مرورا بمقابلة الأشخاص أنفسهم في أمكنة وظروف مختلفة بصفتهم مواطنين موالين للنظام وصولا إلى فبركات واختلاقات كثيرة، منها ما يثير الشجب والاستنكار ومنها ما يثير الضحك والسخرية. كلها أمور يستخدمها فريق واسع حجة للقول إن هذا إعلام كاذب يجب حجبه.

تمتاز الأنظمة القمعية التسلطية من طراز النظام السوري بانعدام كفاءة عالية في استعمال الإعلام، وغالبا ما ينعكس عليها هذا الأمر فشلا ذريعا في الإقناع والوصول إلى الرأي العام، لكن الفشل في استخدام الإعلام تحوّله هذه الأنظمة إلى استثمار ناجح حين تضطر للتعامل مع خطوة من نوع وقف البث.

لقد ثبت للعالم ولنا مرارا وتكرارا أن الحجب والمنع ساقط أولا تقنيا لأن التطور بات يحتال على كل محاولات الاحتواء، وثانيا والأهم لأن الأصل هو في الحرية مهما كان موقفنا ورأينا، خصوصا أن هذه الخطوة ستحرمنا من إمكانية توظيف إعلام بائس من طراز الإعلام السوري لخدمة الثورة ورفدها بزخم أكبر، هذا بالإضافة إلى أن الحجب سيعطي حجة لخطاب النظام أنه ضحية إجراءات دولية.

القنوات التابعة للنظام السوري، سواء مباشرة أو مواربة، لم تعزز من وضع هذا النظام لا قبل الثورة ولا خلالها، بل على العكس فهذه القنوات ساهمت في تهميش وإضعاف النظام وصورته، ولن يساهم قرار حجبها سوى في تقوية النظام في أوساط مواليه على الأقل..

أما كان ليفوتنا رؤية الشاب الحلبي يواجه بحذائه لو كان الإعلام السوري محجوبا..

diana@ asharqalawsat.com