سياسة إيران بين خصومها وحلفائها!

TT

اعتمدت إيران في سياستها الخارجية على أمرين اثنين، أولهما إظهار أكبر قدر من العداء والتناقض مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة، التي طالما وصفها الإيرانيون بـ«الشيطان الأكبر» إضافة إلى العداء والتناقض مع إسرائيل، والأمر الثاني، كان تركيزها على العمق الإسلامي وضمنه العربي في علاقات الصداقة والتعاون بين إيران ومحيطها، وكثيرا ما جرى وصف الدول والشعوب الإسلامية بالشقيقة وبالصديقة، وبالحالتين، كان لإيران أسبابها العقائدية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها من أسباب تجعلها ترسم سياستها ومواقفها الخارجية على نحو ما هو معلن.

غير أن الواقع العملي في السياسة الإيرانية الخارجية، جرى في سياقات مختلفة إلى حد بعيد، بل يمكن القول إن السياقات العملية في سياسات إيران الخارجية، جعلت من المحيط القريب العربي والإسلامي الخصم والعدو أو ما هو في مقامهما، وبالتوازي جرى تهميش مسار العداء والخصومة مع الطرف الغربي الأميركي خاصة ومع الطرف الإسرائيلي أيضا، بل إن تعاونا جرى بين إيران والمصنفين في قائمة أعدائها على نحو ما جرى بين إيران والولايات المتحدة إبان احتلال الأخيرة للعراق في السنوات الأخيرة، وعلى نحو ما جرى في موضوع علاقات الباطن وصفقات الأسلحة بين إيران وإسرائيل في الفضيحة المعروفة باسم إيران غيت في عقد الثمانينات. والمثالان مجرد نموذجين عن علاقات إيران مع أعدائها وخصومها المعلنين، والتي كثيرا ما أشير إليها في أوراق وخلاصات صدرت عن مراكز أبحاث ودراسات مرموقة وفي تقارير ومعلومات لمؤسسات صحافية وإعلامية.

لقد بدأت إيران أول تطبيقات سياساتها حيال عمقها العربي والإسلامي بمحاولة تصدير الثورة إلى تلك البلدان، ثم طورتها إلى الانخراط في حرب مدمرة مع عراق يقوده صدام حسين كلف البلدين وجوارهما خسائر بشرية ومادية وسياسية، ما زالت آثارها حاضرة رغم مرور ثلاثة عقود على تلك الحرب. وإضافة إلى ما سبق، طورت إيران أشكالا من تدخلاتها في الدول ولدى الشعوب الإسلامية والعربية، تراوحت ما بين محاولات نشر التشيع والتأسيس لثورات دينية، ودعم الجماعات العرقية أو الطائفية أو السياسية الموالية لها، وصولا إلى مساعدات ذات أهداف سياسية، وهي في كل الأحوال، حاولت تكريس نفوذها وتوسيعه في مختلف البلدان الإسلامية والعربية لصالح استراتيجية فارسية مقنعة بالإسلام، ولعل المثال الأبرز عن تجسيدات تلك الاستراتيجية في الخليج، إصرار إيران على الاحتفاظ بالجزر الثلاث في الخليج، والتي استولت عليها في العهد الشاهنشاهي عام 1971، ورفضها التعاطي بأي حلول مقترحة لحل القضية مع دولة الإمارات العربية بما فيها التحكيم الدولي.

والأمثلة الأكثر حداثة في تدخلات إيران العربية، تبدو في سيطرتها على بنية السلطة ومؤسساتها وسياستها، وتكثيف حضورها داخل المجتمع في العراق، وفي تدخلاتها الفجة في مختلف شؤون سوريا وخاصة في أزمتها الحالية، وفي حضورها في السياسة اللبنانية من خلال حلفائها ولا سيما حزب الله وحركة أمل، وعبر تدخلاتها في شؤون البحرين والعودة إلى نغمة أن الأخيرة «أراض فارسية»، ثم في معارضتها واعتراضها على مشروع الاتحاد الخليجي الذي طرحته دول مجلس التعاون في اجتماعها الأخير.

إن تدخلات إيران العملية في شؤون الدول العربية والإسلامية تجد مسارها الموازي لعلاقاتها العملية مع الدول المعادية والمخاصمة في الغرب الأوروبي الأميركي وإسرائيل في مواقف لا تتعدى العداء اللفظي، وحتى في هذا الجانب، فإن ما تقوله إيران ليس أكثر من ردود على مواقف وتهديدات غربية - إسرائيلية، تتعلق بإيران وسياساتها في ظل مساعي الأخيرة إلى تعزيز خيارها النووي وتقوية ترسانتها العسكرية وتدخلاتها في شؤون دول أخرى، وكثير منها يقابل بمعارضة قوية تصل إلى حد التهديد بالحرب من الجهة المقابلة، بينما ترد طهران بالقول: إن إيران سترد عسكريا على أي هجوم إسرائيلي أو أميركي على منشآتها النووية، وإن الرد سيكون متناسبا وحجم الضرر الذي سيصيب إيران، مضيفة إلى ما سبق القول، إن كل الأراضي الإسرائيلية والقواعد الأميركية بالمنطقة في مرمى الصواريخ الإيرانية.

المفارقة بين سياسة إيران العربية والإسلامية ومثيلتها في العلاقة مع الغرب الأوروبي الأميركي وإسرائيل، تعكس خللا أساسه أن إيران ورغم انتقالها قبل أكثر من ثلاثين عاما من النظام الإمبراطوري إلى نظام إسلامي تقول إنه نقيض، فإنها ما زالت تعيش على خلفية النظام القديم الذي كان يجد في جواره العربي الإسلامي حيزا للتوسع والسيطرة وفرض السياسات العدوانية.