إسرائيل مجددا ودائما!

TT

مقال جريء جدا للكاتب البريطاني دانيال نولز في صفحة الرأي في الصحيفة البريطانية اليمينية (والمعروفة بتأييدها المطلق لإسرائيل) «الديلي تلغراف»، ينتقد فيه وبشدة غير مسبوقة أفعال الحكومة الإسرائيلية وتصرفاتها المتشددة والعنصرية بحق المهاجرين الأفارقة. ويقول دانيال نولز باختصار شديد إن إسرائيل يبدو أنها تناست تماما ماضيها الذي كان عبارة عن تاريخ لاستقبال اللاجئين اليهود من أنحاء العالم ليحلوا في فلسطين ويؤسسوا على أرضها دولة إسرائيل. ويضيف الكاتب أن إسرائيل تدعي قيما سياسية واجتماعية غربية، لكنها بتصرفها هذا والعداء الواضح ضد فئة محددة من المهاجرين إليها، وتحديدا الأفارقة السود، فإنها تكرس عملا عنصريا عدائيا بات منبوذا اليوم في إطار عالم جديد يحترم الحقوق والأقليات بكل خلفياتها.

ويستشهد الكاتب بما تقوم به دول غربية ذات باع مهم وطويل وناجح وفعال في استضافة الأقليات المهاجرة إليها، مثل السويد والدنمارك والنرويج وكندا، وطبعا هناك الولايات المتحدة التي تضع عبارة شهيرة على قاعدة تمثال الحرية المطل بشكل رمزي على المحيط الأطلسي مرحبا بالآتين إليه من كل بقاع العالم «امنحوني الذين تعبوا منكم ومجاميعكم المتراكمة المتشوقة لتنفس الحرية». وهو يرى بهذا المسلك مخالفة صريحة من إسرائيل للقيم الديمقراطية الغربية التي كانت تروج أنها تحترمها وأسست نفسها عليها. ويشرح بإسهاب أنه خلال زيارته الأخيرة التقى بشرائح مختلفة من اليسار الليبرالي الإسرائيلي المصاب باكتئاب شديد نتاج تسلط اليمين الإسرائيلي والسطوة اليهودية الدينية المتشنجة على المشهد السياسي والاجتماعي؛ فهؤلاء الليبراليون باتوا يصعقون من الطرح العام المتواصل والمقبول لوصف العرب الإسرائيليين بـ«العرب القذرين»، ويمر كل ذلك بسهولة وبلا أي نوع من العقوبات، وسطوة اليهود الأرثوذوكس المتطرفين المتزايدة على حقوق المرأة وقمعها بكل الأشكال في الأحياء التي يقطنونها، وأيضا يمر الأمر بلا رادع ولا حساب ولا عقاب.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه يتجرأ بأن يصف الوضع الذي اتخذته حكومته ضد المهاجرين الأفارقة (وعددهم أكثر من ستين ألف مهاجر) بأنه حماية للهوية اليهودية في إسرائيل حتى لا تهدد بالزوال، وهو فكر شبيه بما تبناه ونادى به أدولف هتلر ضد اليهود أنفسهم، أو ما طبقته حكومة جنوب أفريقيا البيضاء بعنصرية فجة عبر نظام الأبارتايد. وهو بالمناسبة نفس المبدأ السياسي الذي تطبقه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي تعتبر الكتلة السكانية العربية مشكلة أزلية بالنسبة لإسرائيل، فهي انتقصت بالتدريج من حقوقهم، وأصبحوا يعاملون بكل وضوح وصراحة على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، مسلوبو الحقوق، إلى أن أعلنتها إسرائيل بشكل لا يقبل التأويل ولا يحتاج إلى شرح أوفر، وهو أن إسرائيل دولة يهودية الهوية بالأساس المطلق، وهي بذلك تؤسس بشكل رسمي لدرجات الانتماء والمواطنة، وتؤصل للتمييز بين المواطنين بمسمى العرق والدين، وهي مسألة تعارض كل الأعراف والقوانين والمبادئ التي اتفق العالم اليوم على احترامها وتبنيها بلا جدال على أسس سياسية وأخلاقية وإنسانية. وهي مسألة لا بد أن يتعامل معها العالم بشكل «إجرامي» مثلما تعامل مع ألمانيا النازية وجنوب أفريقيا العنصرية، هذا إذا كنا نعيش في عالم عادل يعامل كل الدول بمكيال واحد ومعيار واحد وأساس واحد، وليس كما هي عليه الأمور والمسائل اليوم. حتى أشد الأبواق تطرفا في دفاعها عن إسرائيل لم تعد تستطيع أن تغطي العورات الفاضحة لها من دون أن تعلق بدهشة واستغراب وسخرية وصراحة. لن أحمل هذا المقال الذي قرأته أكثر مما يستحق، لكن إسرائيل ستظل الدولة الأكثر انتهاكا للقوانين والأنظمة والمواثيق والعهود حول العالم، وهي أقل الدول تعرضا للعقوبة، وهذه مسألة لا يمكن أن تستمر أبدا.

[email protected]