أبو بكر سالم سلامة قلبك!

TT

نقلت صحيفة «الجزيرة» السعودية أن الفنان الكبير أبو بكر سالم بالفقيه (ولد 1939) سيجري عملية قلب مفتوح، وحددت تاريخ إجراء العملية في ألمانيا، بالأربعاء الماضي، نقلا عن نجله أحمد.

حقيقة؛ حينما قرأت الخبر انقبض قلبي كثيرا، وتمنيت من الأعماق تجاوز الفنان الأستاذ أبو بكر سالم لهذه الأزمة، وأن يعود قلب «أبو أصيل» خفاقا بالحياة والحب والفن الجميل.

شخصيا، أعتبر أبو بكر هو المطرب المفضل في الجزيرة العربية كلها.. تفرُّدا لا نظير له، وتدفقا في مياه صوته.. يأخذك إلى البعيد النقي، حيث أرض من الطرب والفن لم يمسسها بشر من قبل.

ماذا أحدث عن أبو بكر سالم؟

أجيال تربت على أغانيه.. هو الفن الصادق البريء، الذي يغرف من تراث حضرمي مركب وغني، تجد فيه لمحات من الغناء الديني، ولا عجب، فهو ينتمي إلى ثقافة دينية صوفية، حيث كان أسلافه من السادة آل علوي، وهو يظفر بحبال صوته من كل التراث اليمني.. من عدنيه إلى يافعيه إلى لحجيه إلى صنعانيه، كما دلف إلى تراث الجزيرة العربية كلها، وغنى كل الألوان والفنون حتى السامري النجدي.

ليس هذا فحسب، بل تجلى في الكلمات السهلة الممتعة، سواء من كلماته، وهو الشاعر المتذوق، أم من كلمات رفيق دربه، الشاعر الحضرمي «حسين المحضار».

سعوديا؛ من يغفل له نشيده الوطني العذب «يا بلادي واصلي».. وله قصة مثيرة، حيث فرغ منه أبو بكر كلاما ولحنا، وهو على متن الطائرة من الرياض للقاهرة، كما سمعت منه شخصيا في جلسة بالقاهرة قبل سنوات.

أبو بكر لطيف المعشر، شديد التواضع، عميق الثقافة في فنه، صاحب وعي جميل في الحياة.. إنه قيمة جمالية بحد ذاته.

وهنا لا نغفل أيضا ما يمر به أستاذ الأساتذة، رمز اليمن الفني، محمد مرشد ناجي، أو «المرشدي» كما يلقبه جمهوره، وأنا منهم، فله الشفاء والبهاء.

إن مثل هؤلاء الرموز، يلونون حياتنا بقيم الجمال، ويمطرون على جفاف حياتنا. كيف تكون الحياة بئيسة وفيها فن جميل؟!

لكن المفارقة هو هذا الموقف المعادي للفنون ظاهريا، الطالب لها في الباطن!

غريب شأن الفنان في مجتمعاتنا؛ فهو مطلوب ومرغوب، ونجم يتهافت عليه أفراد المجتمع، وربما تباهى البعض بأنه قد جالس ذلك الفنان أو تبادل معه بعض الأحاديث، ولكنه في الوقت نفسه يحمل قدرا من الرفض المبطن له.

كيف يجتمع ذلك.. طلب ورفض في الوقت نفسه؟ على عكس الحال في المجتمعات الغربية مثلا، فأرباب الفنون يحظون بتقدير لافت، ومكانة توازي مكانة العلماء الكبار والسياسيين العظام. فهل الوعي الجمعي المحلي، وبفعل الضخ المتواصل من قبل أعداء الفنون من المحافظين، كرس صورة نمطية ابتذالية للفنان.

الفنانون جزء من المجتمع.. تجد فيهم الجيد والرديء.. التافه والمحترم.. وهكذا. من يقرأ عن دور فناني مصر الأوائل في الحراك الوطني، مثل عبده الحامولي وسيد درويش وغيرهما، يجدهم لا يقلون شأنا عن سعد زغلول وأحمد عرابي.

إذا احترمنا الجمال، وبالتالي الفن، فعندها نكون قد انتمينا إلى التحضر.

أتمنى أن نوقر ونقدر هذه القيم الكبيرة، ومن يمثلها، أمثال أبو بكر سالم، وأتمنى تكريم هذا الفنان في بلده السعودية، التي غنى لها، وقال إنه يتمثل قيم الولاء كاملة لها، كأن يطلق اسمه على شارع أو مدرسة، أو غير ذلك من مظاهر التكريم..

يكرم في حياته حتى يرى شيئا من فرح قومه به.

[email protected]