نائب الرئيس المصري.. حمدين صباحي

TT

المصريون حائرون.. يفكرون.. يتساءلون في جنون من يكون نائب الرئيس المصري المقبل. بمثل هذا تقول القصيدة.

في الحلقة الأخيرة من مسلسل الانتخابات، لم يتبق أمام الجمهور المصري الساعي بتوق إلى ممارسة الديمقراطية، إلا العسكري الفريق أحمد شفيق، الذي يحسبه البعض على النظام السابق، أو الإسلامي الدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الإخوان المسلمين. خياران كلاهما عليه من الملاحظات ما يكفي لنفور المصريين منه.

ولكن أيا كان الرئيس المصري المقبل، سيظل عنصر القلق بالنسبة له هم «شباب 25 يناير» الذين لم يشعروا بالرضا في أي مرحلة من مراحل الثورة التي قاموا بها حتى الآن.. لم يحققوا مكاسب في الانتخابات التشريعية، فخرج البرلمان إسلاميا؛ إخوانيا بالغالبية، وبالدرجة الثانية سلفيا، وكانت صدمة بالنسبة إليهم، وهزيمة زادتهم غضبا فوق غضبهم. ومعهم حق، لأنهم هم من طبخ الطبخة، والتهمها غيرهم.

المشكلة التي ستواجه كلا المرشحين؛ شفيق أو مرسي، أنه حينما ينتهي من التصريحات النارية، وإطلاق الوعود الانتخابية المعهودة التي يعرف أنه لن يحقق كثيرا منها، ويقع اختيار غالبية المصريين عليه رئيسا لهم.. حينها سينزل إلى الشارع؛ الواقع الحقيقي الذي عليه أن يواجهه.. شبه انهيار اقتصادي.. شبه انهيار أمني.. وشباب حانقون.

جرت رياح الانتخابات البرلمانية والرئاسية بما لا تشتهي سفن شباب الثورة.. في انتخابات مجلس الشعب ظنوا أن ميدان التحرير سيجر وراءه منصة البرلمان.. لم يجر وراءه سوى الخيبة.. اتحدوا خلف حمدين صباحي مرشحا رئاسيا، وتنادوا عند بوابات كل السفارات والقنصليات المصرية في العالم بأن شباب الثورة يدعمون صباحي.. خاب ظنهم كذلك وخرج مرشحهم من المنافسة، لأن عروق مصر السياسية أصعب من أن تقتلع في عام واحد، ولأن لمصر حكاية أكبر من الميدان. فهناك نظام حاكم ظل أكثر من ثلاثين عاما في سدة الحكم، بنى نفسه وثقافته ومؤيديه ومناخه الخاص. وفي المقابل، حزب الإخوان المسلمين تنظيم تاريخي متوارث، رغب في السلطة وحارب لأجلها 70 عاما، وجاءته الفرصة على طبق من ذهب ومن المستحيل أن يفرط فيها.. وهناك السلفيون؛ الرقم الصعب الذي فرض نفسه.

الرئيس المصري الجديد سيواجه الكثير من المشكلات التي يتوجب عليه حلها أو التقليل من تأثيراتها، أهمها تهدئة الشارع وإقناع الناس بالعودة إلى أعمالهم، وهذا لن يتأتى إلا إذا رضي شباب الثورة ولو مرحليا بنصيب من الكعكة، هل هذا النصيب هو مشاركة مرشحهم حمدين صباحي في مؤسسة الرئاسة؟ ربما، ولكن الأكيد أن الشباب ثاروا على نظام مبارك لأنهم كانوا محبطين، وعندما أسقطوه شعروا بالإحباط أكثر حينما اكتشفوا أن حلم التغيير بات بعيدا، وأن الطريق إليه طويلة، وأن إسقاط نظام مبارك ما هو إلا البداية.

لا أشك لحظة في أن محمد مرسي بتطبعه بشخصية الإخوان البراغماتية، يسترضي شباب الثورة الآن طمعا في أصواتهم، لأن مؤيدي الإخوان لم يعودوا أكثرية كما كانت الحال في انتخابات مجلس الشعب، لذا حاول استمالتهم بكل الوسائل؛ ركض إليهم في ميدان التحرير عندما خرجوا منددين بالحكم القضائي على مبارك، وابنيه علاء وجمال اللذين أعلن القضاء براءتهما.. خرج لأنها فرصته الأخيرة لامتصاص أصوات ندّه أحمد شفيق ولتذكير الناس بأنه «فلولي»، وكذلك لإعطاء المزيد من الوعود لهذا الجمهور الذي شغل نفسه بمحاسبة الماضي في حين أن حاضره غير مرضٍ ومستقبله مهدد. الإخوان منذ «25 يناير/ كانون الثاني»2011 وطوال أكثر من عام تعاملوا بكثير من الحذر مع شباب الثورة.. لم يتحدوا معهم، بل انصرفوا يعملون لحسابهم وبمفردهم حتى وصلوا للبرلمان ثم المنافسة على الرئاسة، وفي الوقت نفسه، لم ينكروا فضلهم حتى لا يصطدموا معهم.. باختصار؛ هم صعدوا على سلم شباب الثورة بانسيابية حتى وصلوا للقمة.

ولكن على الشباب الثوار أن يحذروا؛ «الإخوان» لم يأتوا للسلطة ليتخلوا عنها لأي سبب، سيلتصقون بكرسي الحكم بأشد ما يلتصق الريش على الغراء.

أما الفريق أحمد شفيق، فمن قدره أن الناس حينما تنظر إليه لا تتذكر سوى مبارك وأبنائه، ومن سوء حظه أن الحكم القضائي على مبارك، رغم قسوته وغرابة توقيته، لم يكن مرضيا لشباب الثورة، ومن المتوقع أن يعبروا عن رفض الحكم القضائي من خلال رفضهم له. أما لو حصل وفاز شفيق بالرئاسة، فسيتحول «الإخوان» من أكثرية متواضعة الأداء برلمانيا، إلى قوة مخربة ميدانيا.

فكيف سيواجه شفيق «الإخوان» من جهة، والثوريين في ميدان التحرير من جهة أخرى؟ هل سيكفيهم تعهده بأن سياسة مبارك لن تعود؟ أم يكفيه أن يجتذب حوله الأقباط والليبراليين والمثقفين الخائفين من انهيار الدولة المدنية وتحولها إلى دولة إسلامية؟ أم سيحاول استمالة الثوريين من خلال مرشحهم حمدين صباحي؟

في النهاية، كل يدّعي وصال ليلى.. وليلى هنا هي الثورة.

[email protected]