القريب الماليزي

TT

اتصل بي مدير مكتب حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، بادئا بالتحيات والمشاعر الطيبة. وخيل إليّ أن للاتصال علاقة بمعرض الكتاب في الإمارة، أو بكتاب جديد للشيخ المؤرخ. لكن بعد أدبيات رفيعة قال إن الشيخ يسأل إن كان لي أقرباء أو قريب في ماليزيا.

وأدرك الرجل على الرغم من المسافة أن السؤال أصابني بالذهول، فسارع إلى القول إن رجلا يدعى كذا من كوالالمبور، كتب إلى الحاكم يطلب مساعدة مادية، شارحا أنه من أقربائي الأعزاء. وأضاف المدير الصديق أن «مكانتك عند الشيخ حملتنا على التأكد من الأمر لكي نعرف كيفية التصرف».

بدأت طبعا بالامتنان، لكنني أوضحت أيضا أنه على الرغم من كل هذا التجوال في دياره تعالى، فإنني لم أحط في ماليزيا حتى مرورا، ولا تتعدى علاقتي بالبلد السعيد لقاءات قليلة في الأمم المتحدة وغيرها مع صانع النهضة الماليزية مهاتير محمد، إضافة إلى رحلة على «الخطوط الماليزية» من لندن إلى الكويت قبل ثلاثين عاما، وهي شركة ممتازة.

أما أن يكون لي أقرباء أو أنسباء خارج لبنان فغير وارد في باب الاحتمالات والمصادفات. وليست هذه هي المرة الوحيدة التي ينبع لي فيها «أقرباء»، مع أنني من عائلة صغيرة العدد، ولا يعول علينا حتى في الانتخابات النيابية في لبنان.

وكنت في الماضي أتلقى رسائل كثيرة من مصر والأردن من أشخاص يحملون اسم العائلة، ويستوضحون إن كانت هناك صلة غير الاسم. أما القريب الماليزي في كوالالمبور فلا يحمل حتى الاسم على الرغم من شيوعه. والأرجح أن المسألة لا تتعدى كونه قرأ الاسم في «الشرق الأوسط». أما كيف استنتج أن صداقة تربطني بالشيخ سلطان، فضرب في المندل.

فقد أخلفت في حضور معرض الكتاب في السنوات الأخيرة، ولم أقابله منذ وفاة الراحل العزيز تريم عمران مؤسس صحيفة «الخليج» وأحد رواد الصحافة في المنطقة. وكان تريم هو علاقتي بالشارقة، سواء ذهبت إليه أو جاء إلى بيروت أو جمعنا لقاء في القاهرة أو في لندن.

صدرت في الإمارات قبل أكثر من ربع قرن ثلاث صحف، تمثل كل واحدة منشأها: «الاتحاد» في أبوظبي، و«البيان» في دبي، وقبلهما «الخليج» في الشارقة. اتسمت «الخليج» بصورة الرجل لا بصورة الدار، وغلبت عليها هوية صاحبها لا هوية المؤسسة، وتحول مبناها إلى معلم استدلالي للقادمين إلى الإمارة، التي اختارت دورا لها العناية بتاريخ الخليج وآثاره والنهضة الثقافية فيه.

لا أدري كم أصبح عدد المؤلفات التي وضعها الشيخ القاسمي منذ أطروحة الدكتوراه عن تاريخ الإمارات الضائع. لكنها مناسبة للإعراب عن التقدير. شكرا للسؤال، وعذرا عن أقرباء ماليزيا.