من جائزة نوبل للسلام إلى العجز

TT

عندما تأكل الحكومة شعبها كما يحدث في سوريا أو السودان، تختفي الحلول السهلة. ويساعد هذا في تفسير تردد أوباما، حيث تتضمن العلاقات الدولية مشكلات أكثر مما تتضمن حلولا، ويمكن للتدخلات حسنة النية أن تزيد الأزمة سوءا، لكن حذر الرئيس يصل إلى حد العجز. ورغم كوني واحدا من المعجبين بسياسة أوباما الخارجية بوجه عام، تبدو سياساته تجاه كل من سوريا والسودان عاجزة وغير ناجعة وتضر بالمصالح والقيم الأميركية. لقد قدم أوباما نفسه كقوة مريحة قادرة على القتال خارج البلاد مثلما حدث عندما زاد القوات الأميركية في أفغانستان بمقدار ثلاثة أمثال. مع ذلك لدينا فائز بجائزة نوبل يساعد في حماية نظامين من أكثر الأنظمة بغضا في العالم. قد يبدو هذا قاسيا بعض الشيء، لكن مشاهدة الناس تقصف وتتدهور جوعا لأيام في جبال النوبة لم يجعلني أشعر بالحرج من سلبية دولتي فحسب، بل أيضا بالغضب منها. ويلقي نظام الرئيس عمر حسن البشير القنابل المضادة للبشر والتي تحتوي على كريات صغيرة على القرى. ويضرب البشير العزلة منذ عام على هذه المنطقة في محاولة منه لقمع المتمردين ويمنع وصول شحنات الغذاء والمساعدات الطبية إلى المنطقة، مما اضطر مئات الآلاف من النوبيين إلى العيش على أوراق الشجر والجذور والحشرات.

ما الذي ينبغي أن أقوله لأمل طياع، التي فقدت ابنتها كوش مؤخرا بسبب الجوع وتخشى حاليا أن تموت هي وأبناؤها الأربعة جوعا؟ لقد قالت لي بإنهاك: «سنموت في منزلنا إذا لم يصل إلينا الطعام».

هل ينبغي أن أقول لها إن النوبة مأساة غير مناسبة وإن البيت الأبيض مهتم باستقرار السودان إلى الحد الذي يمنعه من التحدث بقوة وحزم عن الأمر؟ أم ينبغي أن أخبرها بأن جوع أبنائها لا يهم لعدم أهمية السودان من الناحية الجغرافية السياسية؟ أكثر ما هز مشاعري كان مشاهدة طفلة في السادسة من عمرها تدعى إسراء جبرائيل تطعم شقيقتها ندى، التي تبلغ من العمر عامين، بحنان أوراق شجر. نظرت إسراء بجوع إلى أوراق الشجر وكانت أحيانا تتناول بعض الأوراق، لكنها كانت تضع أكثر تلك الأوراق داخل فم شقيقتها الضعيفة. كانت أرجل الطفلتين عارية وترتديان ثيابا رثة مهلهلة وتحول شعر كلتيهما إلى اللون البني بسبب سوء التغذية. أخبرتني والدتهم أمل أن أسرتها لم تحصل على طعام بانتظام منذ هجوم الجيش السوداني على القرية منذ خمسة أشهر. ومنذ ذلك الحين تعيش في الكهوف على أوراق الشجر.

مع ذلك يتسم مبعوث إدارة أوباما الخاص إلى السودان وجنوب السودان، برينستون ليمان، بوجه عام بالذكاء والدأب، حيث صرح خلال مقابلة صحافية في ديسمبر (كانون الأول) قائلا: «لا نريد أن نشهد سقوطا للنظام أو تغييره».. ماذا؟ لقد قوض هذا النظام، الذي يواجه قائده باتهامات إبادة، الاستقرار في المنطقة ودعم أمراء الحروب الوحشيين مثل أحدهم الذي تم قتل أكثر من 2,5 مليون شخص في جنوب السودان في دارفور وجبال النوبة على مرأى ومسمع منه، ولا تريد إدارة أوباما إسقاط نظامه؟

إضافة إلى ذلك، تحاول الإدارة باستمرار كبح جماح قوى التمرد هنا بقيادة عبد العزيز الهيلو، القائد الناجح الذي عاش في أميركا ويتبع نهجا معتدلا. ويتوق المتمردون للسيطرة على عاصمة ولاية جنوب كردفان، كادوقلي، لكنهم يقولون إن واشنطن تثبط همتهم. وأشار عبد العزيز في مقابلة تمت في مخبئه الجبلي إلى أن قواته حققت الكثير من الانتصارات على السودان مؤخرا. وقال: «جيشهم ضعيف للغاية، وليس لديهم دافع للقتال». وبدا حائرا من محاولة المسؤولين الأميركيين حماية حكومة ارتكبت جرائم إبادة ويتسم جيشها بالتفكك والتفتت.

لم يختلف الأمر في سوريا، فالولايات المتحدة لم ترفض تسليح المعارضة فحسب، بل أثنت الدول الأخرى عن القيام بذلك أيضا بحسب ما أعتقد. مع ذلك يوجد منطق يحكم هذا، فالمعارضة السورية تضم عناصر متطرفة، والعنف مكون رئيسي من مكونات الصراع الطائفي في المنطقة. مع ذلك يسمح الفشل في تسليح المعارضة باستمرار الصراع ويمكّن الرئيس بشار الأسد من قتل المزيد من البشر. والنتيجة هي امتداد العنف إلى لبنان وصعوبة السيطرة على سوريا بفعل السموم الطائفية.

تبدو إدارة أوباما في ما يتعلق بكل من سوريا والسودان متأخرة وغير قادرة على مجاراة الأحداث. ما الذي يمكن فعله إذن؟ في سوريا ينبغي أن نوضح أن حلفاءنا في الشرق الأوسط سوف يسلحون المعارضة السورية ما لم تخلع قوات الأمن الأسد في غضون ثلاثين يوما. ينبغي أن نعمل مع حلفائنا في المنطقة وكذلك مع الدول الكبرى مثل روسيا والصين من أجل الحث على القيام بانقلاب أو ترتيب «تقاعد» الأسد.

أما في السودان فينبغي عرقلة الممرات العسكرية التي تقلع منها قاذفات القنابل التي تستخدم في قصف المدنيين في جبال النوبة أو تدمير قاذفة قنابل من طراز «أنتنوف»، والتأكيد على أن هذا سيكون مصير أي قاذفة قنابل أخرى في حال ما استمر السودان في قصف الشعب. وبعد ذلك ينبغي أن ندعم محاولات جماعات الإغاثة الخاصة في توصيل الغذاء والحبوب إلى جبال النوبة من خلال رميها بالطائرات في هذا الموسم الممطر الذي يجعل حركة التنقل على الطرق البرية صعبة. وتساعد الولايات المتحدة والدول الأخرى معسكر ييدا للاجئين في جنوب السودان، لكن من دون القصف كان النوبيون سيتمكنون من الزراعة والأكل مما زرعته أياديهم وكانت ستنتفي الحاجة إلى معسكر للاجئين.

وكما ذكر أندرو ناتسيوس، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى السودان، في صحيفة «واشنطن بوست»، ينبغي أن نزود جنوب السودان بمضادات متواضعة للطائرة. وسيمنع هذا السودان من تصعيد هجماتها الجوية على جنوب السودان.

قد تنجح هذه الإجراءات أو لا تنجح، فمنع حكومة من قتل شعبها أمر نتيجته غير مؤكدة، لكن سياساتنا تجاه سوريا والسودان فشلت في وقف إراقة الدماء وتجعلنا نقف في جانب الباطل. كان أوباما حازما وقويا في مطالبته للرئيس السابق جورج بوش الابن بالتصدي للسودان خلال مذبحة دارفور، لذا من المؤلم رؤية موقفه السلبي تجاه السودان حاليا. عندما ترتكب الحكومات جرائم القتل الجماعي، قد لا يكون لدينا حلول سهلة، لكن يجب أن نكون على الأقل واضحين بشأن الجانب الذي نسانده. وليس هذا بكثير على فائز بجائزة نوبل للسلام.

* خدمة «نيويورك تايمز»