دعم الأردن ضرورة استراتيجية كبرى

TT

خلال الأسابيع القليلة الماضية، قمت بزيارة عائلية للأردن.. وشدت انتباهي فاتورة مياه شهرية وردت إلى الشقة التي أقمنا فيها، أورد بعض نصوصها: (التكلفة الكلية 22.950 دينار، وقيمة الفاتورة الحالية 8.420 دينار، وقيمة الدعم الحكومي على فاتورتك الحالية 14.530 دينار). وبخطوة نادرة، شملت الحكومة الأردنية الأجانب بالدعم المقدم للأردنيين. وبحساب بسيط، فإن عدد المقيمين العرب في الأردن ربما تجاوز المليون، نصفهم قد يكون من العراقيين، و120 ألف سوري، وآلاف الليبيين والمصريين.. لم أحاول معرفة العدد الرسمي لهم، لأنني لم ألتق بالأساس مسؤولا أردنيا. ويمكن أن نتصور ما يأخذه اللاجئون أو المقيمون العرب من دعم حكومي، لتغطية نفقات الماء والخبز المخصص للمواطنين؛ حيث يعتبر الخبز الأردني من أفضل أنواع الخبز العالمي، وبسعر أقرب إلى المجاني.

حتى قبل أسابيع، كان عدد اللاجئين السوريين نحو مائة ألف، وارتفع سريعا بنسبة عشرين في المائة، تحت وطأة الضغط الدموي الذي يمارسه نظام الحكم في سوريا. وبينما كنت أتجول للاطلاع على التطور العمراني الحاصل في مدينة عمان، شاهدت تجمهرا كبيرا، ظهر أنه تجمع خطابي لشباب سوريا الجريحة، على مقربة من سفارة بلادهم، على الطريقة الديمقراطية الغربية المنضبطة؛ فكل شيء في عمان يسير بأمن وأمان، والمستوى الثقافي يتطور بشكل واضح وسريع، والعمران يتألق بصورة لافتة.

لقد تحمل الأردن عبئا كبيرا من الوجود العربي، في كل المجالات.. فالبنية التحتية في أي بلد تصمم وفقا لمعلومات أجهزة التخطيط الوطنية، وبلد مثل الأردن يصعب أن يتحمل ضغوطا غير عادية بشكل مفاجئ؛ فالمدارس والمستشفيات وقطاعات السكن والنقل، تلقت ضغطا كبيرا. وعلى الرغم من أنها امتصت الزخم الكبير بكفاءة عالية، فإن المساعدات العربية والدولية كانت متواضعة للغاية، ولا تتوافق مع ما يقدمه الأردن من إمكاناته الذاتية المحدودة أصلا.

وإذا أخذنا اللاجئين السوريين على حدة، فإن المساعدات العربية والدولية المقدمة إليهم لا تكاد تذكر، مقارنة بما يجب تقديمه من قبل الدول العربية عموما والنفطية تحديدا. ويحدث هذا، والعرب يمتلكون أكثر من نصف البترول العالمي.. فهل يعقل أن يشعر الفارون من آلة القتل في درعا وغيرها بشظف العيش في انتظار مساعدات من جمعيات إنسانية؟

كثيرون ينتظرون من الأردن المزيد، لكن الحق على العرب كبير.. ليس إكراما لموقفه تجاه أشقائه العرب، بل لتعزيز موقفه الاستراتيجي في ظروف إقليمية معقدة للغاية. فالخلل الذي أصاب توريد الغاز المصري بعد حكم مبارك مثلا، ينعكس سلبا من الناحية المالية على محطات توليد الطاقة الكهربائية، التي تعمل منظوماتها بانتظام، كسائر الدول المتقدمة. فالكهرباء هنا لا تعرف الانقطاع.

قبل فترة، طرح الخليج فكرة انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، ثم طوي الملف أو مر بمرحلة تباطؤ لأسباب محددة. وبصرف النظر عما يراه المسؤولون الخليجيون والأردنيون، فإن الأردن ينبغي أن يتمتع بخصوصية، خاصة في التعاملات المالية الرسمية وعمليات الاستثمار العام.. فما يقدم للأردن سيترك أثرا إيجابيا فعالا على المستويات الأمنية، والثقافية، والبنيوية، والاستثمارية الخليجية. والأمن الخليجي والأردني واحد، طبقا لكل الاعتبارات المطروحة وغير المتداولة أيضا.

ومن الصعب أن يطلب من الأردن تطوير فلسفة رؤيته وقراءاته الإقليمية المتوازنة، من دون تعزيز قدراته في الجوانب التي يحتاج إليها. فالمساعدات مطلوبة لمواجهة النقص في المياه، وتنظيم تدفق مستمر لمياه الشرب الإضافية، وبيعه النفط بأسعار تفضيلية فعلية، وإقامة مشاريع استراتيجية كبرى، تجعل الأردنيين أكثر استعدادا للتفاعل بطريقة تحتاج إليها دول الخليج.

المناورات العسكرية المشتركة التي قامت بها تسع عشرة دولة على الأراضي الأردنية الشهر الماضي، أظهرت أهمية الموقع الاستراتيجي لهذا البلد، كما أظهرت قدرة التفاعل الأردني وبناءه العسكري، بوصفه نقطة توازن في الحسابات العسكرية الإقليمية في مرحلة حساسة جدا. ويفترض أن تكون المساعدات العسكرية الأميركية جزءا بسيطا مما يفترض أن تقدمه الدول العربية؛ فقوة الأردن في المحصلة للعرب وليس لأميركا، وقدراته الأمنية قدمت إسهامات في تعزيز الأمن الإقليمي، وما يمكن تقديمه يمكن أن يكون أكثر مما تحقق حتى الآن، خصوصا أن الاضطراب الإقليمي لا يزال خطيرا بحكم المعضلة السورية.

لذلك، من حق الأردن أن يدعم عربيا بسخاء في كل المجالات، قبل أن نطلب منه المزيد من التفاعل والعطاء في المسائل الحساسة.