كيف تكون خاتمة مبارك مباركة؟

TT

يا للتحول المثير!! في فترة حكم حسني مبارك كان المساس به مساسا بالأمن القومي، وحين حانت محاكمته كان عدم المساس به مساسا بالأمن القومي، فأي قرار مخفف من المحكمة ربما كان سيؤدي إلى اضطرابات عنيفة وفي أقل الأحوال ستكون إحدى مخرجاته عودة المظاهرات المليونية.

حكم المؤبد لم يكن قليلا قط في ظل نظام ما زال يتحكم في مفاصله رجال مبارك، ومع ذلك وفور النطق بحكم المؤبد سرت في الشارع المصري موجة غضب عارمة تحول بعضها إلى ملاذ الثورة المصرية التقليدي (ميدان التحرير)، حرك هذا التظاهر حكم بالمؤبد، فكيف لو كان الحكم أن يلبث في السجن سنين عددا؟ بل كيف سيكون حال مصر لو نطق القاضي بالبراءة؟

حين قرأت مؤخرا أن الرئيس السابق حسني مبارك قد تدهورت صحته بعد الحكم عليه بالمؤبد، وسيمكث في زنزانة في السجن مثل بقية المساجين، سرحت بي الذاكرة إلى الأيام التي سبقت قراره التاريخي بالتنحي حين تواصل معه أصدقاؤه في المنطقة يعرضون عليه ملجأ يأوي إليه ويحميه من غضبة الشارع المصري، وآخر «المعلن» من هذه الاتصالات الوفد الإماراتي الرفيع المستوى، لكن مبارك رفض أن يستنسخ نهاية زميله بن علي، فكان لمبارك ما أراد ليصبح ندا له في سباق الأوليات، فكان مبارك أول زعيم عربي يحكم عليه بالمؤبد، كما كان بن علي أول زعيم عربي تطرده ثورة جماهيرية بلا رأس.

اللافت في نهاية حسني مبارك التراجيدية وغيره من الزعماء العرب الذين أسقطتهم ثورات شعوبهم، بداية من بن علي وحتى الآيل للسقوط بشار الأسد، أنهم يملكون فراسة قوية وقرون استشعار تحذر من أي خطر داهم، وهذا ساعدهم في توطيد أركان حكمهم مددا طويلة، لكن هذه الفراسة تلاشت في التنبؤ باستشراف خاتمة معقولة لحياتهم السياسية، بل حتى لحياتهم العادية، وثبت بعد النهايات الدرامية لكل من القذافي ومبارك، مع إيماني بالفارق الكبير بينهما، أن جميع هذه الزعامات كانت فعلا تصدق في قرارة نفسها أنها الرحمة المهداة لشعوبها، وأنها بالنسبة لشعوبها كالوالدين للطفل الرضيع، وهذا بالتأكيد أحد النتائج الكارثية للإعلام المستأجر والمسؤولين والمستشارين الذين لا ينقلون حقيقة معاناة شعوبهم ومطالبهم المشروعة، ولا يحثون الحكام على إرساء أسس العدل وتنبيههم إلى خطورة الفساد الذي ولغوا فيه هم ومستشاروهم ومساعدوهم والمقربون منهم، بل على العكس، يزينون الفساد في أعينهم بأنواع المبررات التي لا تخطر لإبليس، والحقائق على الأرض تقول إن المقربين من هذه الزعامات الموصوفة بالولاء الصادق والوطنية الحقيقية هي التي مهدت درب النهاية لسادتها.

فالتوريث مثلا كان أحد السكاكين التي أجهزت على مستقبل مبارك السياسي، وأوردته هذه الخاتمة المذلة، ولو فتشت في معايير مبارك في فترة حكمه لوجدت أن الأكثر ولاء له من وزرائه ومستشاريه، مثل أحمد عز، هم الذين هيأوا له درب التوريث وحسنوه في نظره، والعكس صحيح، فالذين نبهوه وحذروه من الوطنيين الشرفاء هم المغرضون والأقل وطنية، وقل الشيء ذاته عن التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية التي كانت القشة التي قصمت ظهر مبارك. فتش في بعض دول العالم الثالث تجد في كل بلد «عزًّا» يحفر القبر لمن يتصور أنه من أشد الموالين له، ونهاية مبارك - أحببناها أم كرهناها - قد تكون بركة في نتائجها على كل عاقل وعظ بغيره.

[email protected]