كرد وعرب مو فرد حزام

TT

كان إخواننا الأكراد في عهد أيام الخير يعبرون عن التضامن العربي الكردي في المظاهرات بهتاف: «كرد وعرب فرد حزام». ولكن حزام التضامن هذا قد تمزق اليوم على ما يبدو وأصبح «كرد وعرب مو فرد حزام». شعرت بذلك عند سماعي محاضرة البروفسور ماجد الياسري في مؤسسة الحوار الإنساني بلندن عن قانون الصحة النفسية.. قال إن دراسة تبنتها الأمم المتحدة مؤخرا أظهرت أن نسبة الإصابة بهذه العلل في كردستان العراق أعلى منها في جنوب العراق.

خرجنا وقصدنا «تشايخانة ازمر» لتناول وجبة من كباب سليمانية. كنا عددا من المثقفين العراقيين ضم الصحافي المفكر أحمد المهنا والناشطة النسوية فوزية الاعسم. أثار أبو زيد هذا الموضوع الذي فاجأنا.. لماذا يتعرض الكرد لهذه العلل أكثر من العرب في الجنوب؟ قال الأستاذ الشاعر مصطفى أحمد: هذا واضح.. بعد ما فعله بهم صدام حسين وضرب حلبجة بالغازات السامة، كان من الطبيعي أن يفقد الكثيرون منهم رشدهم ويقعوا فريسة للكآبة والهستيريا والبارانويا.

«لا، هذا غير صحيح».. قال زميل ثان على عادة العراقيين في نفي أي شيء قاله شخص آخر. مضى وأضاف أن السر في ذلك هو أن الكرد قضوا كل تاريخهم يناضلون من أجل استقلالهم وهويتهم القومية حتى حصلوا عليها بالفعل مؤخرا، فلم يصدقوا ما حصل، ورأوا كل هذه الخيرات تتدفق عليهم ففقدوا عقلهم وانجنّوا.

«وانت شتقول يا ابو نايل؟» سألتني الزميلة فوزية.

وقبل أن أجيب وأنطق بحرف واحد، قاطعني أحد الحاضرين على عادتنا فقال: «السؤال في الواقع هو ليس لماذا نسبة الأمراض العقلية أعلى في الشمال، وإنما لماذا هي أقل في الجنوب؟ تقوم مثل هذه الدراسات على سجلات المستشفيات. في كردستان، الجمهور الكردي جمهور عقلاني علماني، وعندما يشعر أحدهم بالاكتئاب أو الارتعاب يأخذه أهله للطبيب النفسي فتسجل الإصابة. ولكن في الجنوب، عندما تفقد امرأة رشدها وتمزق دشداشتها يأسا من حياتها وتخرج عارية في الشارع، يأخذها زوجها للمومن، الملا، ليضع يده على رأسها ويقرأ عليها. في الجنوب يذهبون للمومن وليس للطبيب، فلا تدخل الحالة في الدفاتر».

تعب الزملاء من النقاش أخيرا، فانتهزت الفرصة وقلت: «أنا أيضا عندي رأي آخر. النسبة أقل في الجنوب لأن الجنون شيء عادي هناك.. كل الناس مجانين في الجنوب، فلا يلتفت أحد للموضوع.. يخرجون من بيوتهم في أقصى القرى ويتركون أعمالهم ويسيرون مشيا على أرجلهم مائتين أو ثلاثمائة ميل تحت شمس العراق المتلظية نحو مدينة كربلاء ليقضوا بضعة أيام يلطمون على صدورهم حتى تحمر وتتقرح حزنا على حادثة جرت قبل ألف وأربعمائة سنة.. يعني ماذا تعتبرون في هذا العصر من يفعل مثل ذلك؟ يعني عاقل؟ يمكن تعتبرونه عاقلا.. ولكن ماذا عمن يأتي بمدية طويلة يضرب بها على رأسه حتى ينشق ويتدفق الدم على وجهه وصدره حزنا على الواقعة نفسها التي سمع الناس يحكون له عنها.. يعني هذا أيضا عاقل؟ والمسؤول الذي يأمر بتدريس هذه المواضيع في الكليات؟ عاقل مو مجنون؟