إنه الوقت المناسب للاستثمار في الشركات الخاصة الأوروبية

TT

تمر منطقة اليورو بأزمة عميقة، وهي في حالة تأهب قصوى منذ فترة مع استمرار التركيز فيها على سلسلة من العوامل السلبية، مما يؤدي إلى ضخ منسوب مرتفع من التشاؤم فيفقد المستثمرون وضوح الرؤية ويخشون توظيف الأموال. ورغم ذلك، فإن أوروبا تقدم فرصا جذابة للاستثمار في الشركات، التي يمكن أن يستفيد منها من لديه خبرة في انتقاء الفرص المجدية ويتبع عملية دراسة جدوى حريصة ويتمتع برأسمال يمنحه المقدرة على التوظيف الطويل الأجل.

من المهم قبل التفكير في الاستثمار في الشركات في أوروبا أن نأخذ بعين الاعتبار دينامية البيئة الاستثمارية وتأثيرها على ثلاثة من أهم الأطراف ذات الصلة وهي: الدول السيادية، والبنوك، وشركات الاستثمار الخاص.

لقد انخرطت منطقة اليورو في الأزمة المالية العالمية بعدما عجزت بعض دولها عن إعادة جدولة ديونها دون مساعدة خارجية. وقد تركزت هذه المساعدات على توفير السيولة، وذلك أولا بواسطة البنك المركزي الأوروبي، ثم قامت السلطات الأوروبية بضخ السيولة للدول الأعضاء مقابل تعهدات من هذه الدول.

تضم منطقة اليورو كلا من المدينين والدائنين، حيث إن ما نسبته 60 في المائة من التعرض للديون اليونانية والآيرلندية والإيطالية والبرتغالية والإسبانية مملوكة لفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، فيما تتعرض أوروبا بكاملها لما يقارب 90 في المائة من هذه الديون، أي إن الأزمة أوروبية بحتة ولا يمكن فصل حلها عن أوروبا بسهولة.

لن يكون من السهل تنفيذ الحلول المقترحة لتحسين الوضع المالي لمنطقة اليورو، حيث إن معظمها سيزيد الضغط على الناتج المحلي الإجمالي أو سيرتب جهدا إضافيا على الميزانيات العمومية على المدى القريب والمتوسط.

يمكن للدول المديونة مواجهة الأمر عبر زيادة الضرائب أو المداخيل المرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي أو اتخاذ تدابير تقشفية أو خصخصة أصولها أو تحمل المزيد من القروض. ومهما تشددت هذه الدول في تطبيق هذه الحلول، فإن الاضطرابات الاجتماعية سريعا ما قد تحول دون تنفيذها. كما أن قدرة أوروبا على حل هذه الأزمة تتضاءل مع تعدد الآراء على طاولة القرار. وبينما يواصل أشخاص موهوبون حقا العمل على إيجاد الحلول المناسبة، فإن دينامية الأوضاع السيادية ستؤثر بشكل سلبي ومطرد على اقتصاد أوروبا، وهو عامل مهم عند دراسة فرص الاستثمار في الشركات.

من جهة أخرى، تلعب البنوك دورا رئيسيا في دينامية الاستثمار في الشركات. وفي محاولة لخفض احتمالات أزمة جديدة مشابهة لما حصل عام 2008، تم إبرام اتفاق «بازل 3» لرفع معدلات كفاية رأسمال البنوك، مما أدى إلى زيادة الضغوط القصيرة المدى على الاقتصاد الأوروبي. ومن أجل تحقيق شروط هذا الاتفاق، على البنوك أن تقوم بإحدى هذه الخطوات على الأقل:

1- أن تبيع أصولا تملكها (وقد بدأنا نشهد برامج للتخلص من الأصول).

2- أن تسعى إلى زيادة رأسمالها، وهذا الأمر مستبعد في الظروف الاقتصادية الحالية.

3- أن تزيد مدخولها سريعا، وهذا أمر يصعب تحقيقه على المدى القصير.

4- أن تتشدد في فرض معايير منح القروض.

ومن المتوقع استمرار التخلص من الأصول وتشديد معايير التمويل في المستقبل القريب، وبالتالي سيستمر الضغط على الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا، مما سيزيد من صعوبة تحديد الشركات التي تتمتع بمؤشرات نمو إيجابية للاستثمار فيها. في المقابل، حين تتشدد البنوك في معايير منح القروض تبدأ الشركات في البحث عن بدائل للتمويل المصرفي.

ومن أجل فهم الدينامية المحيطة بالبيئة الاستثمارية في أوروبا علينا أن نطلع على أهم ملامح عمل شركات وصناديق الاستثمار الخاص:

1- تبلغ السيولة (غير المستثمرة) لدى شركات الاستثمار الخاص معدلات مرتفعة تفوق الـ90 في المائة، وهذا معدل تاريخي. ويعود سبب ذلك إلى أن الفترة بين عامي 2006 و2008 شهدت عمليات جذب استثمارات قياسية، ولم تتمكن شركات الاستثمار الخاص من توظيف هذه الاستثمارات كالعادة بسبب ضعف التمويل من المصارف.

2- انخفض حجم الصفقات التي أجريت منذ الأزمة المالية العالمية، فعلى سبيل المثال في السنة الماضية، شهدت أوروبا أكبر انخفاض بلغ 50 في المائة ووصل إلى 12 مليار دولار فقط.

3- يحاول الآن رقم قياسي من صناديق الاستثمار الخاص (نحو 1800 صندوق) أن يجذب أموال المستثمرين، وهي تتنافس على نحو ترليون دولار.

إن الأموال المخصصة للاستثمار في الشركات في أوروبا تتطلب عادة فترة خمس سنوات لتوظيفها مع إمكان تمديد الفترة وفقا لبنود الاتفاقيات. ومن هنا، سوف يكون هناك استعداد أكبر لتوظيف هذه الأموال خلال السنوات الثلاث المقبلة، وسيتطلب هذا العامل أخذ الحيطة على مدى السنوات القليلة المقبلة.

لكن إذا ما استمرت الظروف الراهنة على ما هي عليه، فسيكون من الصعب تصور تغيير أوضاع الأسواق بما يسمح بتوظيف أموال إضافية. ولهذا السبب، تحاول كثير من الصناديق جذب الاستثمارات في الوقت الحالي، حيث إنه ليس من المتوقع أن يتغير أداءها في توظيف الأموال بشكل كبير في الأجل القريب.

ومن الصعب توقع نجاح جذب مثل هذه الأموال في ضوء العوامل التي أسلفنا ذكرها. في المقابل، فإن شراء الشركات الجيدة التي تشكل فرصا نوعية في الوقت الراهن وتعود بالربح على المستثمرين، قد يشجع على مزيد من الاستثمار في الشركات الخاصة. لكن في حال لم يحصل ذلك، فقد نرى انخفاضا في عدد اللاعبين في عالم الاستثمار الخاص، الذي قد يعني أن الاستثمار في الشركات سيكون أوفر حظا وأكثر جدوى مع مرور الوقت.

لكن مهما كانت الصورة التي يرسمها المحللون سلبية، فإن اختلاف الرأي يخلق فرصا.

فإذا أردنا أن نقارن قليلا بين ملامح البنية الاقتصادية العليا لكل من أوروبا وأميركا، فإن الاتحاد الأوروبي يشكل قوة اقتصادية حجمها 17 تريليون دولار، وهي أكبر بقليل من حجم الولايات المتحدة الأميركية التي يبلغ حجمها 15 ترليون دولار. ويصل دين الاتحاد الأوروبي إلى ما نسبته 88 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن الدين الأميركي يصل إلى ما نسبته 103 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أضف إلى ذلك أن منطقة اليورو تعاني من عجز قيمته 4 في المائة في حين أن الولايات المتحدة الأميركية لديها عجز يصل إلى 10 في المائة. ووفقا لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي التراكمي وفرص العمل الموجودة، فيمكن القول إن الولايات المتحدة الأميركية اليوم تمر في أبطأ انتعاش اقتصادي تشهده خلال نصف قرن من أزمات الكساد والركود. ولهذا يعد استبعاد الاستثمار في أوروبا بسبب حجم الاهتمام السلبي بها، قرار قصير النظر.

وفي حين أن البعض قد يستثمر مراهنا على انهيار منطقة اليورو أو على انتعاشها القريب، نعتقد أن الحكمة تكمن في الاستثمار في الفرص الجذابة التي لا تتطلب مثل هذه المراهنة الكبيرة. هناك مجموعة من الاستراتيجيات التي ينبغي اعتمادها ويمكن التدليل عليها بمثالين:

1- في الشركات التي تتخذ من الدول الأوروبية مقرا لها ولا تعتمد على الاقتصاد الأوروبي، هناك عدد من الشركات التي تستفيد من التطور التكنولوجي أو العمليات المتقدمة هناك، بينما تقع أسواقها الرئيسية خارج أوروبا.

2- الفرص في الصناعات التي تستفيد من الركود.. فمثلا في أوروبا، هناك عدد كبير من الشركات التي تقدم خدمات عالية الجودة في قطاعات حيوية مثل صناعة التعليم حيث تتمتع بمكانة جيدة في السوق تمكنها من الاستفادة من الطلب الدولي.. هذا يخلق فرصا متنوعة للنمو بما فيها عمليات الاستحواذ على شركات منافسة ومكملة.

تشكل أوروبا أكبر اقتصاد في العالم وتتمتع بأطر قانونية قوية يمكن للمستثمرين الاعتماد عليها. لقد صمدت أمام اختبار الزمن حتى الآن وسوف تواصل الصمود. ومع أن الاستثمار الخاص قد شهد تباطؤا في الآونة الأخيرة، فإن الوقت مناسب للقيام به مع فهم الأسواق وديناميتها والحكمة في اختيار الفرص والدقة في تقييمها. قد يكون الاستثمار في بعض الشركات في أوروبا في الظروف الحالية فرصة جيدة، لكن هناك كثير من العوامل التي تشير إلى أنه سيزداد جاذبية مع الوقت.

* الرئيس التنفيذي

لـ«إنفستكورب» في أوروبا