رسائل العمارنة

TT

أرشيف ملكي فريد من نوعه؛ يؤرخ للدبلوماسية المصرية خلال أزهى عصور مصر الفرعونية؛ عصر الملك أمنحتب الثالث المعروف بالباشا؛ نظرا للثراء العظيم الذي نعمت به مصر خلال عهده، عندما كانت تحكم الشرق القديم كله، بالإضافة إلى عصر الملك إخناتون الذي خلف أباه أمنحتب على عرش مصر ليغير وجه الحياة في الشرق الأدنى القديم بعدما آمن بالإله الواحد وأبطل العبادة لآلهة متعددة، مما أدخله في صراع مرير مع كهنة آمون الأقوياء والأكثر نفوذا.

يحتوي أرشيف العمارنة على الرسائل الواردة إلى البلاط الملكي خلال عصري أمنحتب الثالث ومن بعده الملك إخناتون، وبعض الرسائل موجه إلى الملكة تي العظيمة (أم الملك إخناتون). وتعود قصة الكشف عن الأرشيف إلى عام 1885 ميلادية عن طريق فلاحة مصرية كانت تحفر بالقرب من مسكنها للحصول على التربة السوداء لعمل الطوب الآجر، وبالمصادفة عثرت على رسائل العمارنة المكتوبة بالخط المسماري؛ وبعدها قام العالم الإنجليزي فلندرز بتري في عام 1891 ميلادية بالكشف عن باقي الأرشيف الملكي الذي وصل عدد رسائله إلى 379 رسالة حتى يومنا هذا.

وعلى الرغم من كثرة الأبحاث والدراسات العلمية التي أجريت على رسائل تل العمارنة فإنها لا تزال معينا خصبا لمزيد من الدراسات لأحوال الشرق الأدنى القديم خلال عصري أمنحتب الثالث وإخناتون.

المدهش أنه تم التأكد من أن الملك إخناتون عندما قرر هجر العاصمة طيبة بعد اصطدامه بكهنة آمون ورفضهم التحول إلى عبادة الإله الواحد الممثلة قوته في قرص الشمس، قام الملك بنقل الأرشيف الملكي من قصر الحكم بطيبة إلى القصر الملكي بمدينة تل العمارنة. وفي كل رسالة إلى الملك إخناتون ومن قبله إلى أبيه أمنحتب الثالث.. معلومات فريدة تظهر العلاقات المتشابكة بين ملوك وأمراء الشرق القديم. في إحدى الرسائل يصرخ أمير الشام طالبا من الملك المصري أن يظهر جيشه بالمنطقة حتى – حسب قوله - تهدأ أحوال الإمارات المتصارعة، ويذكّر الأمير الملك المصري بمدى تأثير ظهور الجيش المصري على المنطقة أيام الملك العظيم تحتمس الثالث، وكيف كان مجرد ظهور الجيش المصري يخمد الفتن ويبطل الصراعات بين هذه الإمارات. نفس الأمير بعث برسالة أخرى إلى الملكة الأم تي بعدما يأس من رد ابنها إخناتون، وفي هذه الرسالة وبعد أن أصبغ عليها آيات التكريم نجده يحثها على أن تتحرك وتصحح مسار السياسة المصرية الخارجية التي انهارت في عصر إخناتون المنشغل بأمور الديانة الجديدة وعشقه لزوجته الجميلة نفرتيتي وبناته الخمس. ولا نعرف بالضبط ما إذا كانت هذه الرسالة قد وصلت بالفعل إلى الملكة تي؛ أم وقعت في يد الملك إخناتون أولا وأخفاها عن أمه اتقاء لمناقشة حادة من أمه. وكل ما نعرفه أن الملكة تي قامت بزيارة ابنها في العمارنة وذلك في العام الثاني عشر، وبعدها مباشرة تختفي الملكة الجميلة نفرتيتي عن مسرح الأحداث.

ستظل خطابات العمارنة مفتاح السر لعصر إخناتون الذي غير وجه الحياة السياسية والدينية في مصر خلال فترة حكمه المثيرة للجدل.