الرئيس الظريف

TT

بعد كل ما نطق به العراقيون من نكات تستخف بالكرد وبسذاجة الأكراد، انتهى بهم المطاف بوجود رئيسين كرديين على رأس الدولة: جلال طالباني رئيسا للجمهورية، ومسعود بارزاني رئيسا لكردستان. هل بعد ذلك من رد ساخر أروع من ذلك؟!

جلال طالباني الرئيس الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتمتع الآن بروح فكاهة وسخرية. بل ربما نجد أنه رئيس الدولة الوحيد في العالم الذي يستمتع بمثل هذه الصفة الآن. طالما ذكرت أن روح الفكاهة والسخرية من علامات السماحة والحضارة وتدل بصورة خاصة على الثقة بالنفس. بينما كان الأكراد يشعرون بحساسية وامتعاض من التنكيت عليهم في عهود اضطهادهم، أخذوا الآن يستمتعون حقا بالتنكيت على أنفسهم وسماع النكات العنصرية ضدهم.

يروى أنه في أيام النضال والحرب الأهلية في كردستان، استطاع مقاتلو البيشمركة أن يغنموا بندقية «برنو» من الجيش العراقي. جاءوا بالبندقية الثمينة لمام جلال ليقرر ما يفعل بشأنها. قال: أعطوها لكاكة حسن. فأعطوها له. كان الرجال قد أقاموا ما يشبه المرحاض على مجرى ماء وفيه لوحة خشبية بثقب كاف لنزول البول والغائط. دخل بعد أيام ووجد اللوحة ملطخة بغائط أحد المقاتلين. فقال غاضبا: من فعل ذلك؟! قالوا: كاكة حسن. فنادى عليه وقال: أرجع لنا «البرنو». أنت لم تستطع أن تهدف على ثقب المرحاض! كيف راح تستطيع أن تهدف ببندقيتك على العدو؟!

اقتحم يوما أحد أصحابه مكتب رئاسة الجمهورية أثناء اجتماع وزاري. وراح يعربد ويستنجد به. لقد سرق أحد القوم سيارته «المرسيدس الشبح» التي أهدتها له الدولة مؤخرا. سأله: من سرقها؟ فأجابه قائلا «واحد من الحرامية». فقال له: «عجيب! هذا غير ممكن! الحرامية كلهم موجودون هنا حولي!».

العراق بلد معروف تاريخيا بنخيله وتمره البرحي العالي النوعية. وطالما أثارت بساتين النخيل قريحة الشعراء والمطربين. ألم يقل أبو العلاء المعري بعد زيارته لبغداد:

وذقنا ماء دجلة خير ماء

وزرنا أشرف الشجر النخيلا

قدر عدد نخيل العراق بثلاثين مليون نخلة، بيد أن حرب العراق مع إيران ثم حربي الخليج الأولى والثانية قضت على جل هذه الأشجار النبيلة والعريقة. شهدت بعيني بعضها وقد فقدت رؤوسها ووقفت عارية كخوازيق عملاقة غارسة في صدر هذا الوطن الكئيب. أصبح التمر فاكهة نادرة. سأل أحدهم مام جلال: أين يوجد التمر اليوم؟ قال له: «تقدر تشوف التمر بالكليجة!».

الكليجة هي الكعكة التقليدية العراقية التي تصنع في البيوت. لم يسأل الرجل من أين جاء هذا التمر الموجود في الكليجة. ولو فعل لأجابه الرئيس العراقي: «من إسرائيل!».

وقد حدث أن ذهب الرئيس العراقي في زيارة خاصة إلى بيت عبد العزيز الحكيم في النجف. رأى غرفة الاستقبال محشورة بتصاوير الأئمة والمشايخ، فلم يتمالك غير أن يسأله عنها: لمن تكون كل هذه التصاوير؟ ومن هم أصحابها؟ فأجابه الشيخ قائلا إنها تصاوير أهل البيت. استغرب من هذا الجواب فعاد وسأله: «يا الله! كل هذا وأنت ساكن مستأجر في بيت الناس؟!».